ألم تر يا محمد إلى الذي يجادل إبراهيم في وجود ربه، وربوبيته وذلك أنه أنكر أن يكون ثم إله غيره. وما حمله على هذا الطغيان، والكفر الغليظ، والمعاندة الشديدة، إلا تجبره، وطول مدته في الملك. وكان طلب من إبراهيم دليلا على وجود الرب الذي يدعو إليه. فقال إبراهيم: إنما الدليل على وجوده، وربوبيته، ظاهرة الإحياء والإماتة. فظاهرة الإحياء والإماتة تدل على الله بما لا يقبل جدلا، إذ كيف تعلل ظاهرة الحياة، والإماتة بدون الله.
وقد تحدثنا في كتابنا (الله جل جلاله) عن ظاهرة الإحياء. وكيف أنها تدل على الله بما لا يقبل جدلا، فليراجع البحث هناك، وقد استدل إبراهيم بهذه الظاهرة على وجود ربه، وربوبيته، لأنها أقرب الظواهر البديهية على وجود ربنا عزّ وجل، فعند ذلك قال المحاج: أنا أحيي وأميت. قال قتادة، ومحمد بن إسحاق، والسدي، وغير واحد: وذلك أني أوتى بالرجلين، قد استحقا القتل. فآمر بقتل أحدهما، فيقتل. وآمر بالعفو عن الآخر فلا يقتل. وليس هذا جوابا لما قال إبراهيم، ولا في معناه، لأنه غير مانع لوجود الصانع. وإنما أراد أن يدعي لنفسه هذا المقام عنادا ومكابرة، ويوهم أنه الفاعل لذلك، وأنه هو الذي يحيي ويميت. ولهذا قال إبراهيم لما ادعى هذه المكابرة: فَإِنَّ اللَّهَ يَأْتِي بِالشَّمْسِ مِنَ الْمَشْرِقِ فَأْتِ بِها مِنَ الْمَغْرِبِ أي إذا كنت تدعي أنك تحيي وتميت فالذي يحيي ويميت هو الذي يتصرف في الوجود في خلق ذواته، وتسخير كواكبه وحركاته. فهذه الشمس تبدو كل يوم من المشرق. فإن كنت إلها كما ادعيت، فأت بها من المغرب؟.
فلما علم عجزه وانقطاعه، وأنه لا يقدر على المكابرة في هذا المقام، بهت. أي: أخرس فلا يتكلم. وتلك سنة الله تعالى أنه لا يلهم الظالمين حجة، ولا برهانا. بل حجتهم داحضة عند ربهم، ومن ثم فإن أبسط المؤمنين يقيم الحجة على أكثر الكافرين عنادا.
[المعنى الحرفي]
أَلَمْ تَرَ إِلَى الَّذِي حَاجَّ إِبْراهِيمَ فِي رَبِّهِ: الخطاب لرسول الله صلى الله عليه وسلم والمراد بالرؤية هنا: الرؤية القلبية والعلمية. والمحاجة: هي المجادلة، والمخاصمة، ومجادلته كانت في