إن مجئ النهي عن الصلاة في حالة السكر، وتعليل ذلك بقوله تعالى: حَتَّى تَعْلَمُوا ما تَقُولُونَ. يشير إلى أن العبادة التي تحقق المراد منها هي العبادة الخاشعة، ومجئ إباحة التيمم في بعض الحالات في هذا السياق يشير إلى أن العبادة في الإسلام مقرونة باليسر، ومجئ الدروس في شأن أهل الكتاب في هذا السياق يشير إلى أن من لا عبادة له لا يستطيع أن يرى حقيقة أهل الكتاب، فالرؤية الإيمانية الكاملة مرتبطة:
بالعبادة، وأداء الأمانات إلى أهلها، والحكم بالعدل مرتبط: بالعبادة، والإيمان، وبالعمل الصالح، وبالرؤية الإيمانية، وكل ذلك يقدمه لنا المقطع فلنبدأ عرض المقطع على مراحل: يا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لا تَقْرَبُوا الصَّلاةَ وَأَنْتُمْ سُكارى حَتَّى تَعْلَمُوا ما تَقُولُونَ وَلا جُنُباً إِلَّا عابِرِي سَبِيلٍ حَتَّى تَغْتَسِلُوا وَإِنْ كُنْتُمْ مَرْضى أَوْ عَلى سَفَرٍ أَوْ جاءَ أَحَدٌ مِنْكُمْ مِنَ الْغائِطِ أَوْ لامَسْتُمُ النِّساءَ فَلَمْ تَجِدُوا ماءً فَتَيَمَّمُوا صَعِيداً طَيِّباً فَامْسَحُوا بِوُجُوهِكُمْ وَأَيْدِيكُمْ إِنَّ اللَّهَ كانَ عَفُوًّا غَفُوراً.
فى الآية قضيتان:
١ - قربان الصلاة والإنسان سكران.
٢ - التيمم، ولكل سبب نزول.
[سبب نزول تحريم قربان الصلاة والإنسان سكران]
من المعلوم أن المرحلة الثالثة في تحريم الخمر، هي المنصوص عليها في هذه السورة وأما المرحلة الرابعة، فهي المنصوص عليها في سورة المائدة. وسنذكر هناك- إن شاء الله- بعض الأحاديث في هذا الموضوع، أما هنا فنكتفي بما له صلة بموضوع الآية:
روى ابن أبي حاتم عن سعد بن أبي وقاص قال: (نزلت في أربع آيات. صنع رجل من الأنصار طعاما، فدعا أناسا من الأنصار، فأكلنا وشربنا حتى سكرنا، ثم افتخرنا، فرفع رجل لحي بعير، ففزر بها أنف سعد، فكان سعد مفزور الأنف، وذلك قبل تحريم الخمر، فنزلت: يا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لا تَقْرَبُوا الصَّلاةَ وَأَنْتُمْ سُكارى ... والحديث بطوله عند مسلم. وروى الترمذي، وابن أبي حاتم- وهو حديث حسن صحيح- عن علي بن أبي طالب قال: (صنع لنا عبد الرحمن بن عوف طعاما، فدعانا وسقانا من
الخمر، فأخذت الخمر منا، وحضرت الصلاة، فقدموا فلانا. قال: فقرأ: قل يا أيها الكافرون ما أعبد ما تعبدون. ونحن نعبد ما تعبدون.