فَرِحُوا بِما عِنْدَهُمْ مِنَ الْعِلْمِ فالإشارة إلى أنّ العلم الدنيوي عامل من عوامل الغرور الصاد عن متابعة الرسل، معجزة من معجزات هذا القرآن، وهي معجزة لا يدرك الإنسان مداها كما يدركه في عصرنا، إذ وصل الغرور البشري إلى ذروته، فأصبح أهل العلم بقوانين هذا الكون يحتقرون كل العلوم الدينية إلا المنصفين منهم، وقليل ما هم، قال صاحب الظلال:(والعلم- بغير إيمان- فتنة. فتنة تعمي وتطغي. ذلك أن هذا اللون من العلم الظاهري يوحي بالغرور، إذ يحسب صاحبه أنه يتحكم بعلمه هذا في قوى ضخمة، ويملك مقدرات عظيمة، فيتجاوز بنفسه قدرها ومكانها! وينسى الآماد الهائلة التي يجهلها. وهي موجودة في هذا الكون، ولا سلطان له عليها. بل لا إحاطة له بها. بل لا معرفة له بغير أطرافها القريبة. وبذلك ينتفخ فيأخذ أكثر من حقيقته. ويستخفه علمه وينسى جهله. ولو قاس ما يعلم إلى ما يجهل. وما يقدر عليه في هذا الكون إلى ما يعجز حتى عن إدراك سره لطامن من كبريائه، وخفف من فرحه الذي يستخفه).
كلمة أخيرة في سورة غافر ومحلّها من مجموعتها:
رأينا أن محور سورة غافر هو قوله تعالى: إِنَّ الَّذِينَ كَفَرُوا سَواءٌ عَلَيْهِمْ أَأَنْذَرْتَهُمْ أَمْ لَمْ تُنْذِرْهُمْ لا يُؤْمِنُونَ* خَتَمَ اللَّهُ عَلى قُلُوبِهِمْ وَعَلى سَمْعِهِمْ وَعَلى أَبْصارِهِمْ غِشاوَةٌ وَلَهُمْ عَذابٌ عَظِيمٌ.
وقد رأينا في السورة الكثير مما له علاقة بالمحور، فرأينا أنّ علامة الكفر هي المجادلة في آيات الله: ما يُجادِلُ فِي آياتِ اللَّهِ إِلَّا الَّذِينَ كَفَرُوا.
ورأينا أنّ الجدال في آيات الله هو علامة الطبع على القلب. كَذلِكَ يُضِلُّ اللَّهُ مَنْ هُوَ مُسْرِفٌ مُرْتابٌ* الَّذِينَ يُجادِلُونَ فِي آياتِ اللَّهِ بِغَيْرِ سُلْطانٍ أَتاهُمْ كَبُرَ مَقْتاً عِنْدَ اللَّهِ وَعِنْدَ الَّذِينَ آمَنُوا كَذلِكَ يَطْبَعُ اللَّهُ عَلى كُلِّ قَلْبِ مُتَكَبِّرٍ جَبَّارٍ.
ورأينا أن العلّة الحقيقية للجدال في آيات الله هي الكبر: إِنَّ الَّذِينَ يُجادِلُونَ فِي آياتِ اللَّهِ بِغَيْرِ سُلْطانٍ أَتاهُمْ إِنْ فِي صُدُورِهِمْ إِلَّا كِبْرٌ ما هُمْ بِبالِغِيهِ.
ورأينا أن المجادلين في آيات الله مصروفون عن الحق بسبب العمى والصمم، اللذين يصاب بهما القلب الكافر أَلَمْ تَرَ إِلَى الَّذِينَ يُجادِلُونَ فِي آياتِ اللَّهِ أَنَّى يُصْرَفُونَ.