ورأينا في السورة: استحقاق الكافرين لعذاب الله في الدنيا، ورأينا صورة عن عذابهم في البرزخ، ورأينا صورة عن عذابهم يوم القيامة، ورأينا- مع هذا كله- كيف أن الحجة قائمة عليهم، ورأينا أدب النذير، ونماذج من الإنذار، ورأينا ما ينبغي أن يفعله النذير في مقابلة كفر الكافرين، وارتباط ذلك كله بمحور السورة واضح.
وقد رأينا من قبل أنّ سورة (ص) فصّلت في نفس المحور، ورأينا أنّ سورة الأنبياء فصّلت في نفس المحور، ولو تأمّلنا هذه السور لوجدنا أن كل سورة منهنّ قد فصّلت
في مجال، وأبرزته ووضّحته، فالمحور وإن كان واحدا لكن التفصيل والسياق الخاص لكل سورة متعدد، ولكل سورة روحها الخاصة بها. وبمجموع السور التي تفصّل محورا واحدا يتكامل التفصيل للمحور، وكل سورة في محلها تخدم مجموعتها، وتترابط معها بحيث تؤدي مع مجموعتها خدمة متكاملة لمجموع القرآن، وذلك من عجائب هذا القرآن التي لا يحيط بها أحد إلا الله.
لاحظ ماذا أدّته سورة الزمر؟.
سورة الزمر فصّلت في نقطة البداية للاهتداء بهذا القرآن، وبيّنت أنّ الاهتداء بهذا القرآن لصالح الإنسان. وجاءت سورة غافر فبيّنت خطر المجادلة في آيات الله، وربّت على التسليم. وستأتي سورة (فصّلت) لتبين مواقف الكافرين من دعوة رسول الله صلّى الله عليه وسلم، ومن القرآن، وتردّ عليها، وتبيّن ملامح الطريق إلى الله، وتدفع المسلم إلى السير الصحيح فيه، وهكذا تجد أنّ المجموعة كمّلت بعضها بعضا، مع كون كل سورة قد خدمت محورها في سياقها الرئيسي.
والملاحظ أن سورة غافر فصّلت في الآيات الأربع الأولى من سورة البقرة، من خلال سياقها، وما ذلك إلا لأنّ الآيات الأولى من سورة البقرة الواردة في المتقين هي المقدمة الصحيحة للكلام عن الكافرين، وسنلاحظ أنّ سورة (فصّلت) ستفصّل في الآيات نفسها، وفي الآيات التي تتحدّث عن الكافرين، حتى إنّ مقدمتها لتكاد تكون إجمالا لذلك كله. وما ذلك إلا لأنّ هذا كله مقدمة بديهية لمضمونها، فسورة (فصّلت) تلخّص مضمون السورتين السابقتين، ثم تنطلق في موضوعها الخاص .. وسورة (غافر) تلخّص مضمون سورة (الزمر)، وتنطلق في سياقها الخاص ومن ثمّ نجد ما يلي: