تبدأ سورة الزمر بقوله تعالى: تَنْزِيلُ الْكِتابِ مِنَ اللَّهِ الْعَزِيزِ الْحَكِيمِ وسورة غافر تبدأ بقوله تعالى: حم* تَنْزِيلُ الْكِتابِ مِنَ اللَّهِ الْعَزِيزِ الْعَلِيمِ* غافِرِ الذَّنْبِ وَقابِلِ التَّوْبِ شَدِيدِ الْعِقابِ ذِي الطَّوْلِ لا إِلهَ إِلَّا هُوَ إِلَيْهِ الْمَصِيرُ .. ثم تحدثت عن الكافرين، وسورة فصّلت تلخص في مقدمتها مضمون السورتين السابقتين، وتنطلق فنجد بدايتها: حم* تَنْزِيلٌ مِنَ الرَّحْمنِ الرَّحِيمِ* كِتابٌ فُصِّلَتْ آياتُهُ قُرْآناً عَرَبِيًّا لِقَوْمٍ يَعْلَمُونَ* بَشِيراً وَنَذِيراً فَأَعْرَضَ أَكْثَرُهُمْ فَهُمْ لا يَسْمَعُونَ* وَقالُوا قُلُوبُنا فِي أَكِنَّةٍ مِمَّا تَدْعُونا إِلَيْهِ وَفِي آذانِنا وَقْرٌ وَمِنْ بَيْنِنا وَبَيْنِكَ حِجابٌ فَاعْمَلْ إِنَّنا عامِلُونَ فالسورة اللاحقة في المجموعة تلخّص مضامين ما قبلها وتبني عليها.
كنا قد سجّلنا معنى في سورة الزمر: هو أن سورة الزمر بدأت بذكر اسمين من أسماء الله عزّ وجل. الْعَزِيزِ الْحَكِيمِ وقلنا إنه يلاحظ أنّ السورة يظهر فيها آثار هذين الاسمين فهي مجلى لهما.
ونلاحظ أن سورة غافر بدأت بذكر ستة أسماء لله عزّ وجل هي: العزيز- العليم- غافر الذنب- قابل التوب- شديد العقاب- ذو الطول- ومن تأمّل السورة وجد مظهر اسم الله العزيز في سياقها، سواء في نصرة الرسل، أو في تعذيب الكافرين، أو في عقوبة من يجادل في آياته، كما يجد فيها مظهر اسم الله العليم في سياقها عامة، سواء في ذكر أدق خفايا النفس البشرية، أو في عرضها ما لا يعلمه إلا الله، كما يجد فيها مظهر اسم الله غافر الذنب، نرى ذلك عند ما تحدّثنا عن دعاء الملائكة لأهل الإيمان بالغفران وكذلك قابل التوب فَاغْفِرْ لِلَّذِينَ تابُوا وَاتَّبَعُوا سَبِيلَكَ كما تجد فيها مظهر اسم الله ذي الطول في إنعامه على المؤمنين وعلى الرسل، كما نجد فيها مظهر اسم الله شديد العقاب، في الكلام عن معاقبته المكذبين للرسل، فالسّورة مجلى لأسماء الله التي ذكرت في بدايتها، وفي كون السور القرآنية تظهر فيها آثار أسماء الله عزّ وجل، وتعرفنا على هذه الأسماء فذلك وحده دليل على أن هذا القرآن من عند الله، فالكلام صفة المتكلم.
لقد جعل الله الكون مجلى لأسمائه، وجعل كتابه مجلى لأسمائه، فمن لم ير الله في الكون، ويره في القرآن فإنه أعمى، ومن شك أن هذا الكون ليس من خلق الله، أو شك أن هذا القرآن ليس كلام الله، فإنه أعمى.