قال ابن كثير عن آية إِنْ تُعَذِّبْهُمْ فَإِنَّهُمْ عِبادُكَ ... وهذه الآية لها شأن عظيم، ونبأ عجيب، وقد ورد في الحديث أنّ النّبي صلّى الله عليه وسلّم قام بها ليلة حتى الصباح يرددها ثم ساق روايات منها:
أ- روى الإمام أحمد ... عن أبي ذر رضي الله عنه قال: صلى النّبي صلّى الله عليه وسلّم ذات ليلة، فقرأ بآية حتى أصبح يركع بها ويسجد بها إِنْ تُعَذِّبْهُمْ فَإِنَّهُمْ عِبادُكَ وَإِنْ تَغْفِرْ لَهُمْ فَإِنَّكَ أَنْتَ الْعَزِيزُ الْحَكِيمُ فلمّا أصبح قلت: يا رسول الله ما زلت تقرأ الآية حتى أصبحت تركع بها وتسجد بها، قال:«إنّي سألت ربي- عزّ وجل- الشفاعة لأمتي فأعطانيها، وهي نائلة إن شاء الله لمن لا يشرك بالله شيئا».
ب- روى ابن أبي حاتم .... عن عبد الله بن عمرو بن العاص أنّ النبي صلّى الله عليه وسلّم تلا قول عيسى إِنْ تُعَذِّبْهُمْ فَإِنَّهُمْ عِبادُكَ وَإِنْ تَغْفِرْ لَهُمْ فَإِنَّكَ أَنْتَ الْعَزِيزُ الْحَكِيمُ.
فرفع يديه فقال:«اللهم أمّتي» وبكى، فقال الله يا جبريل، اذهب إلى محمد- وربك أعلم- فأسأله ما يبكيه، فأتاه جبريل فسأله، فأخبره رسول الله صلّى الله عليه وسلّم بما قال- وهو أعلم- فقال الله: يا جبريل اذهب إلى محمد فقل: إنا سنرضيك في أمّتك، ولا نسوءك.
٥ - [قول بأن سورة المائدة آخر ما نزل من القرآن]
أخرج ابن وهب عن عبد الله بن عمر قال:«آخر سورة أنزلت سورة المائدة». وهذا يجعل لهذه السورة أهمية خاصة إذ إنهّا نزلت بعد أن وصلت التربية الربانية لهذه الأمة إلى مرحلة عالية من النضج.
٦ - [ما ورد في الأناجيل عما يشبه قصة المائدة]
يلاحظ أنّ ما يسمّى بالأناجيل الأربعة المعتمدة عند النصارى حاليا ليس فيها إشارة إلى موضوع نزول مائدة من السماء، ونحن وإن كنا نجزم أن هذه الأناجيل ليست هي الإنجيل الذي أنزل على عيسى، وإن كانت قد تحوي فقرات منه، لأنها كما ذكرنا من قبل تمثل مدرسة بولس الذي ذكر في رسائله أنه لم يتلقه عن أحد، وأنه لم يتتلمذ على تلاميذ المسيح المباشرين، كما ذكر هو- إلا خمسة عشر يوما، ثم دخل في صراع معهم، ومن ثم لا نعتبر ما أثبتته هذه الأناجيل، أو رفضته إلا في الحدود التي أقرها وحي الله وحتى في هذه القضايا فإننا نستأنس استئناسا. وفي موضوع المائدة لا نجد كلاما عن رسولنا صلّى الله عليه وسلّم حول نزولها أو عدمه، وعلماء المسلمين أكثرهم على نزولها، والثابت عن مجاهد والحسن أنهما كانا يقولان بعدم نزولها. قال ابن كثير تعليقا على ما