بعد مقدمة سورة البقرة يأتي قوله تعالى: يا أَيُّهَا النَّاسُ اعْبُدُوا رَبَّكُمُ الَّذِي خَلَقَكُمْ وَالَّذِينَ مِنْ قَبْلِكُمْ لَعَلَّكُمْ تَتَّقُونَ. وبعد سورة التين تأتي سورة العلق مبدوءة بقوله تعالى: اقْرَأْ بِاسْمِ رَبِّكَ الَّذِي خَلَقَ* خَلَقَ الْإِنْسانَ مِنْ عَلَقٍ لاحظ قوله تعالى: خَلَقَ الْإِنْسانَ مِنْ عَلَقٍ وصلته بقوله تعالى: الَّذِي خَلَقَكُمْ وَالَّذِينَ مِنْ قَبْلِكُمْ وصلة: اقْرَأْ بقوله: اعْبُدُوا فالقراءة عبادة عند ما تكون تحقيقا لأمر الله عزّ وجل، ونجد في السورة قوله تعالى: أَرَأَيْتَ إِنْ كانَ عَلَى الْهُدى * أَوْ أَمَرَ بِالتَّقْوى وصلة ذلك بكلمة التقوى الواردة في آية المحور واضحة، ثم إن السورة تختم بقوله تعالى: كَلَّا لا تُطِعْهُ وَاسْجُدْ وَاقْتَرِبْ ذلك واضح الصلة بقوله تعالى:
اعْبُدُوا رَبَّكُمُ وسنرى صلة السورة بمحورها بالتفصيل أثناء عرضها.
رأينا أن سورة التين تنتهي بقوله تعالى: فَما يُكَذِّبُكَ بَعْدُ بِالدِّينِ ورأينا أن أحد الاتجاهين في تفسيرها أن الخطاب لرسول الله صلى الله عليه وسلم وتقديره: فمن يكذبك بعد هذا البيان يا محمد في أمر اليوم الآخر والجزاء والحساب؟ وأن الاتجاه الآخر في الآية: فما يحملك أيها الإنسان على التكذيب بالحساب؟ وتأتي سورة العلق بعد ذلك لتخاطب رسول الله صلى الله عليه وسلم اقْرَأْ بِاسْمِ رَبِّكَ فإن القراءة المأمور بها هي الدليل على أن يوم الدين آت فللسورة صلتها الواضحة بما قبلها.
وسورة التين فصلت في مقدمة سورة البقرة. وكما أن الآية التي جاءت بعد مقدمة سورة البقرة فصلت في الطريق للتحقق بالتقوى، والتحرر من الكفر والنفاق، فإن سورة العلق تأتي لتحقق بما دعت إليه سورة التين، ولتحرر مما أنذرت منه سورة التين، ومن المعلوم أن سورة العلق- وخاصة بدايتها- كانت أول ما نزل من القرآن، فإن نراها في محلها تتفق مع ترتيب هذا القرآن، وبما ينسجم مع نظامه، فذلك دليل على أن القرآن ترتيبه توقيفي، وعلى أن هذا القرآن من عند الله ليس للصنعة البشرية فيه نصيب.