النواميس المودعة في فطرتها وتكوينها بلا تعارض ولا خلل ولا فتور في لحظة من اللحظات! وكل كائن بمفرده كون وحده وعالم بذاته، تعمل في داخله ذراته وخلاياه وأعضاؤه وأجهزته وفق الفطرة التي فطرت عليها، داخل حدود الناموس العام، في توافق وانتظام.
وكل كائن بمفرده- ودعك من الكون الكبير- يقف علم الإنسان وجهده قاصرا محدودا في دراسة خواصه ووظائفه وأمراضه وعلاجه. دراستها مجرد دراسة لا خلقها ولا هدايتها إلى وظائفها، فذلك خارج كلية عن طوق الإنسان. وهو خلق من خلق الله، وهبه وجوده على الهيئة التي وجد بها، للوظيفة التي خلق لها، كأي شئ من هذه الأشياء، ألا إنه الإله الواحد رَبُّنَا الَّذِي أَعْطى كُلَّ شَيْءٍ خَلْقَهُ ثُمَّ هَدى).
قالَ فَما بالُ أي فما حال الْقُرُونِ الْأُولى أي الأجيال السالفة، أو الأعصار السابقة، الظاهر أن فرعون سأل هذا السؤال ليفر من الإلزام بالحجة، فلا يعترف لرب موسى بالربوبية، وعلى هذا فسؤاله يحتمل معنيين الأول: إذا كان الأمر كما تقول بأن الله خالق كل شئ وهاديه؛ فأخبرني عن تاريخ هذا العالم وأعصاره وأزمانه وأممه ما دمت رسولا لله. والثاني: هو ما عبر عنه ابن كثير بقوله: (أصح الأقوال في معنى ذلك أن فرعون لما أخبره موسى بأن ربه الذي أرسله هو الذي خلق ورزق، وقدر فهدى، شرع يحتج بالقرون الأولى، أي الذين لم يعبدوا الله، أي فما بالهم إذا كان الأمر كذلك- لم يعبدوا ربك بل عبدوا غيره، فقال له موسى في جواب ذلك:
هم وإن لم يعبدوه فإن عملهم عند الله مضبوط عليهم، وسيجزيهم بعملهم في كتاب الله، وهو اللوح المحفوظ، وكتاب الأعمال» وعلى كل فإن مراده الفرار من إلزام موسى الحجة؛ ولذلك أجاب موسى على كلامه جوابا سريعا، وعاد ليقيم الحجة عليه بلفت نظره إلى مظاهر هذا الكون، وفي ذلك تعليم لنا ألا ندخل مع الكافرين في المسارب التي يريدون أن يدخلونا فيها للفرار من الإلزامات الواضحة لهم
قالَ موسى مجيبا عِلْمُها عِنْدَ رَبِّي فِي كِتابٍ أي في اللوح المحفوظ، أي هذا سؤال عن الغيب، وقد استأثر الله بعلمه لا يعلمه إلا هو، وما أنا إلا عبد مثلك؛ لا أعلم منه إلا ما أخبرني به علام الغيوب، وعلم أحوال القرون مكتوب عند الله في اللوح المحفوظ لا يَضِلُّ رَبِّي أي لا يخطئ شيئا وَلا يَنْسى شيئا وصف علمه تعالى بأنه بكل شئ محيط، وأنه لا ينسى شيئا تبارك وتعالى وتقدس، وتنزه، فإن علم المخلوق يعتريه