الصوامع، وتحريق الأشجار، وقتل الحيوان لغير مصلحة، والغلول. فكل ذلك تجاوز لأمر الله في القتال، واعتداء. والله لا يحب المعتدين، الذين يتجاوزون حدوده. هذا الاتجاه في تفسير الآية هو الذي رجحه ابن كثير، ورد الاتجاه الذي يقول إن هذه الآية منسوخة. ذكر ابن كثير:(عن أبي العالية في قوله تعالى: وَقاتِلُوا فِي سَبِيلِ اللَّهِ الَّذِينَ يُقاتِلُونَكُمْ: قال: هذه أول آية نزلت في القتال بالمدينة. فلما نزلت، كان رسول الله صلى الله عليه وسلم يقاتل من قاتله. ويكف عمن كف عنه، حتى نزلت سورة براءة.
وكذا قال عبد الرحمن بن زيد بن أسلم، حتى قال- أي الرازي- هذه منسوخة بقوله تعالى: فَاقْتُلُوا الْمُشْرِكِينَ حَيْثُ وَجَدْتُمُوهُمْ. (سورة التوبة) وفي هذا نظر.
لأن قوله تعالى: الَّذِينَ يُقاتِلُونَكُمْ: إنما هو تهييج، وإغراء بالأعداء الذين همهم قتال الإسلام وأهله. أي كما يقاتلونكم فاقتلوهم أنتم).
ثم استشهد ابن كثير بالآية التالية للآية الأولى على صحة ما ذهب إليه بعدم النسخ:
وَاقْتُلُوهُمْ حَيْثُ ثَقِفْتُمُوهُمْ وَأَخْرِجُوهُمْ مِنْ حَيْثُ أَخْرَجُوكُمْ. فهي تشبه الآية التي قيل عنها إنها ناسخة، وهي قوله تعالى: فَاقْتُلُوا الْمُشْرِكِينَ حَيْثُ وَجَدْتُمُوهُمْ. يبقى أن
يقال: إن هذه الآية قد يفهم منها معنى زائد على آية براءة.
وهو أن الذين يناجزوننا القتال، يقدم قتالهم على غير المناجزين، مع حل قتال الجميع وإذ يقاتل المسلمون الكفرة غير المعاهدين، فلا اعتداء. والآية على هذا الفهم فيها أمر بقتال كل كافر غير معاهد. لأن كل كافر إنما هو مقاتل لنا إن استطاع. وعلى كل فإن قتال من يقاتلنا فريضة والآية نص في ذلك وهي ليست منسوخة.
[أحاديث]
١ - روى الإمام مسلم عن بريدة أن رسول الله صلى الله عليه وسلم كان يقول:«اغزوا في سبيل الله. قاتلوا من كفر بالله. اغزوا ولا تغلوا، ولا تغدروا، ولا تمثلوا، ولا تقتلوا الوليد، ولا أصحاب الصوامع».
٢ - في الصحيحين عن ابن عمر قال:«وجدت امرأة في بعض مغازي النبي صلى الله عليه وسلم مقتولة. فأنكر رسول الله صلى الله عليه وسلم قتل النساء والصبيان».
٣ - قال صلى الله عليه وسلم: «إن قوما كانوا أهل ضعف ومسكنة. قاتلهم أهل تجبر وعداوة فأظهر الله أهل الضعف عليهم. فعمدوا إلى عدوهم، فاستعملوهم، وسلطوهم