مَسْجِدٍ أي خذوا لباس زينتكم كلما صليتم، وأقل ذلك ستر العورة، والسنة أن يأخذ الرجل أحسن هيئاته للصلاة؛ لأن الصلاة مناجاة الرب فيستحب لها التزين والتعطر كما يجب التستر والتطهر قال الألوسي في تفسير قوله تعالى خُذُوا زِينَتَكُمْ عِنْدَ كُلِّ مَسْجِدٍ: أي طواف أو صلاة، وإلى ذلك ذهب مجاهد. وأبو الشيخ وغيرهما، وسبب النزول على ما روي عن ابن عباس- رضي الله تعالى عنهما- أنه كان أناس من الأعراب، يطوفون بالبيت عراة، حتى إن كانت المرأة لتطوف بالبيت وهي عريانة، فتعلق على سفلها سيورا مثل هذه السيور التي تكون على وجه الحمر من الذباب وهي تقول:
اليوم يبدو بعضه أو كله ... وما بدا منه فلا أحله
فأنزل الله تعالى هذه الآية، وحمل بعضهم الزينة على لباس التجمل لأنه المتبادر منه ونسب للباقر- رضي الله تعالى عنه- وروي عن الحسن السبط- رضي الله تعالى عنه- أنه كان إذا قام إلى الصلاة لبس أجود ثيابه فقيل له: يا ابن رسول الله صلى الله عليه وسلم لم تلبس أجود ثيابك؟ فقال: إن الله تعالى جميل يحب الجمال، فأتجمل لربي وهو يقول:
خُذُوا زِينَتَكُمْ عِنْدَ كُلِّ مَسْجِدٍ فأحب أن ألبس أجمل ثيابي، ولا يخفى أن الأمر حينئذ لا يحمل على الوجوب لظهور أن هذا التزين مسنون لا واجب.
«وأخرج ابن عساكر وغيره عن أنس رضي الله تعالى عنه عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال في قوله سبحانه: خُذُوا زِينَتَكُمْ الخ «صلوا في نعالكم».
أقول: تسن الصلاة في النعال إذا كانت طاهرة، ولم يكن مكان الصلاة مفروشا، ولقد غلا ناس في هذا الشأن سلبا أو إيجابا، فلم يراع بعضهم ضرورة أن يكون المسجد نظيفا، ولم يراع بعضهم تغير الزمان، وتغير حال المساجد، وغاب عن بعضهم السنة حيث ينبغي تطبيقها. ثم قال تعالى: وَكُلُوا وَاشْرَبُوا وَلا تُسْرِفُوا أي بالشروع في الحرام، أو مجاوزة الشبع، أو بتحريم الحلال إِنَّهُ لا يُحِبُّ الْمُسْرِفِينَ المتجاوزين ما أحل الله إلى ما حرم
قُلْ مَنْ حَرَّمَ زِينَةَ اللَّهِ أي من الثياب وكل ما يتجمل به، وفي الاستفهام إنكار على محرم الحلال الَّتِي أَخْرَجَ لِعِبادِهِ أي سخرها لهم بخلق أصلها كالقطن من الأرض والقز من الدود وَالطَّيِّباتِ مِنَ الرِّزْقِ أي والمستلذات من المآكل والمشارب قُلْ هِيَ لِلَّذِينَ آمَنُوا فِي الْحَياةِ الدُّنْيا غير خالصة لهم لأن المشركين شركاؤهم فيها خالِصَةً يَوْمَ الْقِيامَةِ لا يشركهم فيها أحد، وقد نبه الله