في الشرك- وإن جهدا كل الجهد- لقبحه). أقول: وذكر هذه الوصية في هذا المقام إشارة إلى أن كمال الحكمة يقتضي أن تذكر الوصية بالوالدين مباشرة بعد النّهي عن الشرك. ومن ثمّ فكثيرا ما يقرن الله تعالى بين الإخلاص في العبادة والوصية بالوالدين، ولا يبعد أن يكون لقمان عليه السلام أوصى ابنه هذه الوصية من خلال نقل كلام الله عزّ وجل الموحى به على لسان الرسل السابقين، وقد عرضها على ابنه هذا العرض على لسان الوحي عن الله؛ لما في ذلك من مصلحة إذ هو الوالد فكان ذلك أبعد عن الشبهة وذلك من مظاهر حكمته وكمال أدبه والله أعلم.
يا بُنَيَّ إِنَّها إن القصة أو الشأن أو المظلمة أو الخطيئة إِنْ تَكُ مِثْقالَ حَبَّةٍ مِنْ خَرْدَلٍ فَتَكُنْ فِي صَخْرَةٍ أَوْ فِي السَّماواتِ أَوْ فِي الْأَرْضِ يَأْتِ بِهَا اللَّهُ أي إن كانت مثلا في الصغر كحبّة خردل، فكانت مع صغرها في أخفى موضع وأحرزه، كجوف صخرة في سماوات، أو في أرض، يحضرها الله يوم القيامة؛ فيحاسب بها عاملها إِنَّ اللَّهَ لَطِيفٌ يصل علمه إلى كل خفي خَبِيرٌ عالم بكنه كل خفي، أو لطيف باستخراجها، خبير بمستقرها. قال ابن كثير:(أي لطيف العلم؛ فلا تخفى عليه الأشياء، وإن دقّت ولطفت وتضاءلت. خبير بدبيب النمل في الليل البهيم). وفي هذه الوصية تربية على المراقبة التي هي أحد مقامي الإحسان.
يا بُنَيَّ أَقِمِ الصَّلاةَ أي بحدودها وفروضها وأوقاتها وَأْمُرْ بِالْمَعْرُوفِ وَانْهَ عَنِ الْمُنْكَرِ قال ابن كثير:(أي بحسب طاقتك وجهدك) وَاصْبِرْ عَلى ما أَصابَكَ أي من الأذى إذا أمرت بالمعروف ونهيت عن المنكر، أو على ما أصابك من المحن فإنّها تورث المنح، علم أن الآمر بالمعروف والناهي عن المنكر لا بد أن يناله من الناس أذى فأمره بالصبر إِنَّ ذلِكَ أي الصبر على أذى الناس، أو الذي وصيتك به مِنْ عَزْمِ الْأُمُورِ أي مما عزمه الله من الأمور، أي قطعه قطع إيجاب وإلزام، أي أمر به أمرا حتما. قال النسفي: وأصله من معزومات الأمور أي:
مقطوعاتها ومفروضاتها. وهذا دليل على أن هذه الطاعات كانت مأمورا بها في سائر الأمم.
وَلا تُصَعِّرْ خَدَّكَ لِلنَّاسِ أي لا تتكبّر فتحتقر عباد الله، وتعرض عنهم بوجهك إذا كلّموك. قال النسفي: والمعنى: أقبل على الناس بوجهك تواضعا، ولا تولّهم شق وجهك وصفحته كما يفعله المتكبّرون وَلا تَمْشِ فِي الْأَرْضِ مَرَحاً أي خيلاء متكبّرا جبّارا عنيدا، لا تفعل ذلك يبغضك الله ولهذا قال تعالى: إِنَّ اللَّهَ