عباس رضي الله عنهما: هو الخير الكثير. فقيل له: إن ناسا يقولون هو نهر في الجنة. فقال له: هو من الخير الكثير. أقول: فالكوثر من أنهار الجنة ولكن كلمة الكوثر في الآية تعم ذلك وغيره من كل ما أعطيه رسول الله صلى الله عليه وسلم. قال ابن كثير تعليقا على تفسير ابن عباس:(وهذا التفسير يعم النهر وغيره؛ لأن الكوثر من الكثرة وهو الخير الكثير ومن ذلك النهر)
فَصَلِّ لِرَبِّكَ وَانْحَرْ قال ابن كثير أي كما أعطيناك الخير الكثير في الدنيا والآخرة ومن ذلك النهر الذي تقدمت صفته، فأخلص لربك النافلة وصلاتك المكتوبة ونحرك، فاعبده وحده لا شريك له، وانحر على اسمه وحده لا شريك له .... وهذا بخلاف ما كان عليه المشركون من السجود لغير الله، والذبح على غير اسمه. وقال النسفي في الآية:(أي فاعبد ربك الذي أعزك بإعطائه، وشرفك وصانك من فتن الخلق مراغما لقومك الذين يعبدون غير الله) وَانْحَرْ لوجهه وباسمه إذا نحرت مخالفا لعبدة الأوثان في النحر لها. أقول: وحمل الآية بعضهم على جزئية مما يدخل فيها، فحمل الصلاة على أنها صلاة الأضحى، والنحر على أنه نحر الأضاحي بعد صلاة العيد، وهو مما يدخل ضمن عموم الآية، وليس وحده المراد. وتأمل النقل التالي عن ابن كثير. قال ابن كثير بعد أن ذكر أقوالا وصفها بأنها غريبة في تفسير النحر في الآية:
(والصحيح القول الأول أن المراد بالنحر ذبح المناسك، ولهذا كان رسول الله صلى الله عليه وسلم يصلي العيد ثم ينحر نسكه ويقول:«من صلى صلاتنا ونسك نسكنا فقد أصاب النسك، ومن نسك قبل الصلاة فلا نسك له» فقام أبو بردة بن نيار فقال: يا رسول الله إني نسكت شاتي قبل الصلاة، وعرفت أن اليوم يشتهى فيه اللحم قال:«شاتك شاة لحم» قال: فإن عندي عناقا هي أحب إلي من شاتين أفتجزئ عني؟ قال:«تجزئك ولا تجزئ أحدا بعدك» قال أبو جعفر بن جرير: والصواب قول من قال إن معنى ذلك فاجعل صلاتك كلها لربك خالصا دون ما سواه من الأنداد والآلهة، وكذلك نحرك اجعله له دون الأوثان، شكرا له على ما أعطاك من الكرامة والخير الذي لا كفاء له وخصك به، وهذا الذي قاله في غاية الحسن، وقد سبقه إلى هذا المعنى محمد بن كعب القرظي وعطاء).
ثم قال تعالى إِنَّ شانِئَكَ هُوَ الْأَبْتَرُ قال ابن كثير: أي إن مبغضك يا محمد ومبغض ما جئت به من الهدى والحق والبرهان الساطع والنور البين هو الأبتر الأقل الأذل المنقطع، أقول: فصار معنى السورة: فصل لله وحده، وانحر لله وحده، شكرا له عزّ وجل على ما أعطاك، ولا تبال الشانئين والمبغضين فإنهم المنقطعو الذكر والأثر،