الله عليهم المطر قبيل النعاس، فأطفأ بالمطر الغبار، وتلبدت به الأرض، وطابت نفوسهم، وثبتت به أقدامهم. وروى ابن جرير عن علي رضي الله عنه قال: أصابنا من الليل طش من المطر- يعني الليلة التي كانت في صبيحتها وقعة بدر، فانطلقنا تحت الشجرة والحجف نستظل تحتها من المطر، وبات رسول الله صلى الله عليه وسلم وحرض على القتال.
وبعد أن ذكر الله عزّ وجل ما فعل للمسلمين قبيل المعركة ذكرهم بنعمة أخرى خفية أظهرها الله لهم ليشكروه عليها، ولتتذكرها الأجيال، فيتقاتلوا ويتوكلوا على الله، واثقين بنصره وتأييده.
إِذْ يُوحِي رَبُّكَ إِلَى الْمَلائِكَةِ أَنِّي مَعَكُمْ أي بالتأييد والنصرة فَثَبِّتُوا الَّذِينَ آمَنُوا إما بتقوية قلوبهم بما يلقونه فيها، وإما بتكثير سوادهم، وإما بتبشيرهم بأن يتمثل الملك للصحابي رجلا يقول له ما يثبت به فؤاده سَأُلْقِي فِي قُلُوبِ الَّذِينَ كَفَرُوا الرُّعْبَ الرعب هو: امتلاء القلب من الخوف، ولا شئ أقتل للجيوش من الرعب، إذ لا سلاح ولا عتاد ولا كثرة تنفع معه، وما من سلاح أقوى من هذا السلاح في نصرة الله عباده، إذ يقذفه في قلوب أعدائهم، ولذلك كان رسولنا عليه السلام يقول: نصرت بالرعب مسيرة شهر فَاضْرِبُوا فَوْقَ الْأَعْناقِ أي ضربوا الهام ففلقوها واحتزوا الرقاب فقطعوها وَاضْرِبُوا مِنْهُمْ كُلَّ بَنانٍ البنان الإصبع، والمراد هنا الأطراف، ويضرب الأطراف يشل المقاتل، وبشله يضعف صفه، وهل هذا الأمر للمؤمنين، أو للملائكة. قولان، والراجح أنه للملائكة لأنهم قاتلوا يوم بدر. قال الربيع بن أنس كان الناس يوم بدر يعرفون قتلى الملائكة ممن قتلوهم، بضرب فوق الأعناق وعلى البنان مثل سمة النار قد أحرق به
ذلِكَ أي ما أصابهم من الضرب والقتل والعقاب العاجل بِأَنَّهُمْ شَاقُّوا اللَّهَ وَرَسُولَهُ وَمَنْ يُشاقِقِ اللَّهَ وَرَسُولَهُ فَإِنَّ اللَّهَ شَدِيدُ الْعِقابِ أي ذلك العقاب وقع عليهم بسبب مشاقتهم أي مخالفتهم ومعاداتهم ومخاصمتهم لله ورسوله
ذلِكُمْ فَذُوقُوهُ أي ذوقوا هذا العذاب العاجل وَأَنَّ لِلْكافِرِينَ عَذابَ النَّارِ في الآخرة. وبهذا ينتهي المقطع بعد أن بين الله عزّ وجل فيه أن الخير في القتال ولو كرهته الأنفس، وبعد أن بين حكمته في تشريع القتال، وبعد أن بين سبب تسليط الله جنده على الكافرين، فالمقطع تفصيل لشئون لها علاقة بالقتال الذي هو الموضوع الرئيسي في سورتي الأنفال وبراءة.