كبير لمن يرفض الحق وقد اتضح لقلبه- كما أن قوله تعالى: كَذلِكَ نَطْبَعُ عَلى قُلُوبِ الْمُعْتَدِينَ يشير إلى أنه لا طبع إلا بسبب اعتداء، وهذا إنذار كبير للإنسان، ألا يقف موقف اعتداء أبدا. والآية بعد هذا كله تؤدي دورها في السياق العام لسورة يونس في نفي العجب من رسالة محمد صلى الله عليه وسلم؛ لأن بعثة الرسل وإرسالهم سنة
الله في العصور والأمم.
*** ثُمَّ بَعَثْنا مِنْ بَعْدِهِمْ أي من بعد تلك الرسل مُوسى وَهارُونَ إِلى فِرْعَوْنَ وَمَلَائِهِ أي قومه بِآياتِنا أي حججنا وبراهيننا ومعجزاتنا فَاسْتَكْبَرُوا عن اتباع الحق والانقياد له والإيمان به وَكانُوا قَوْماً مُجْرِمِينَ في الأصل، ومن ثم وقفوا هذا الموقف المنسجم مع إجرامهم، أو كانوا قوما مجرمين لموقفهم من موسى ورسالته
فَلَمَّا جاءَهُمُ الْحَقُّ مِنْ عِنْدِنا قالُوا إِنَّ هذا لَسِحْرٌ مُبِينٌ أي بين ظاهر، والآية تشير إلى أنهم أكدوا كونه سحرا بكل أنواع المؤكدات باستعمال كلمة (إن)، ومجئ اللام في خبرها، ووصف السحر بالوضوح، والصيغة تشير إلى استعمال القسم في كلامهم، ولذلك قال ابن كثير: كأنهم- قبحهم الله- أقسموا على ذلك وهم يعلمون أن ما قالوه كذب وبهتان. اه وهكذا دأب أهل الإجرام إذ يحاربون الدعاة إلى الله يصمونهم بكل وصمة مستعملين أبلغ صيغ التأكيد.
[فائدة حول السياق]
نلاحظ كيف أن القصة هنا تؤدي دورها في السياق العام لسورة يونس، فلو تذكرنا بداية سورة يونس فإننا نجد: أَكانَ لِلنَّاسِ عَجَباً أَنْ أَوْحَيْنا إِلى رَجُلٍ مِنْهُمْ أَنْ أَنْذِرِ النَّاسَ وَبَشِّرِ الَّذِينَ آمَنُوا أَنَّ لَهُمْ قَدَمَ صِدْقٍ عِنْدَ رَبِّهِمْ قالَ الْكافِرُونَ إِنَّ هذا لَساحِرٌ مُبِينٌ فكما اتهم محمد صلى الله عليه وسلم بالسحر بأبلغ صيغ التأكيد في الاتهام، اتهم موسى من قبل، فقصة موسى هنا تأتي لتؤدي دورها في نفي العجب من الإرسال، وفي تبيان المواقف الخاطئة من الرسل، ولتبين نهايات المكذبين الغابرين، ليحذر المكذبون الجدد***
قالَ مُوسى لهم منكرا عليهم أَتَقُولُونَ لِلْحَقِّ لَمَّا جاءَكُمْ إنه لسحر أَسِحْرٌ هذا كيف وقد أفلح من أتى به، وأبطل الله به سحر السحرة، مع أن سنة