ولنا كلام سيأتي عن عاد إذا جاء محله فلنكتف الآن بما ذكرنا
وَإِلى ثَمُودَ أَخاهُمْ صالِحاً أي وأرسلنا إلى ثمود أخاهم صالحا قالَ يا قَوْمِ اعْبُدُوا اللَّهَ ما لَكُمْ مِنْ إِلهٍ غَيْرُهُ دعاهم إلى عبادة الله وتوحيده قَدْ جاءَتْكُمْ بَيِّنَةٌ مِنْ رَبِّكُمْ أي آية ظاهرة شاهدة على صحة نبوة صالح عليه السلام هذِهِ ناقَةُ اللَّهِ أضيفت الناقة إلى الله لأنها بتكوينه تعالى المباشر بلا صلب ولا رحم لَكُمْ آيَةً هذا بيان لمن هي له آية وهم ثمود لأنهم عايشوها فَذَرُوها تَأْكُلْ فِي أَرْضِ اللَّهِ لأن الأرض أرضه، والناقة ناقته، فاتركوها تأكل في أرض ربها من نبات ربها فليس عليكم مئونتها وَلا تَمَسُّوها بِسُوءٍ أي بأذى فلا تطردوها ولا تعقروها إكراما لآية الله فَيَأْخُذَكُمْ عَذابٌ أَلِيمٌ إن مسستموها بسوء
وَاذْكُرُوا إِذْ جَعَلَكُمْ خُلَفاءَ مِنْ بَعْدِ عادٍ يوحي هذا بأنه كان لثمود السلطان في أرض العرب بعد عاد وَبَوَّأَكُمْ فِي الْأَرْضِ أي وأنزلكم في الأرض التي أنتم فيها وهي أرضهم المعروفة حتى الآن بآثارها منهم ما بين الحجاز والشام تَتَّخِذُونَ مِنْ سُهُولِها قُصُوراً أي غرفا للصيف وَتَنْحِتُونَ الْجِبالَ بُيُوتاً أي للشتاء فَاذْكُرُوا آلاءَ اللَّهِ أي نعمه وَلا تَعْثَوْا فِي الْأَرْضِ مُفْسِدِينَ بمعصيتكم لله ورسوله
قالَ الْمَلَأُ الَّذِينَ اسْتَكْبَرُوا مِنْ قَوْمِهِ لِلَّذِينَ اسْتُضْعِفُوا أي قال المستكبرون للمستضعفين لِمَنْ آمَنَ مِنْهُمْ دل على أن المستضعفين كانوا كافرين ومؤمنين، وكلام المستكبرين للمستضعفين المؤمنين أَتَعْلَمُونَ أَنَّ صالِحاً مُرْسَلٌ مِنْ رَبِّهِ سألوهم هذا السؤال على سبيل السخرية قالُوا أي المؤمنون إِنَّا بِما أُرْسِلَ بِهِ مُؤْمِنُونَ سألهم المستكبرون عن العلم بإرساله فجعلوا إرساله أمرا معلوما مسلما، كأنهم قالوا العلم بإرساله وبما أرسل به لا شبهة فيه، وإنما الكلام في وجوب الإيمان به فنخبركم أنا به مؤمنون.
يقول صاحب الظلال في قوله تعالى: قالَ الْمَلَأُ الَّذِينَ اسْتَكْبَرُوا مِنْ قَوْمِهِ لِلَّذِينَ اسْتُضْعِفُوا لِمَنْ آمَنَ مِنْهُمْ أَتَعْلَمُونَ أَنَّ صالِحاً مُرْسَلٌ مِنْ رَبِّهِ؟
(وواضح أنه سؤال للتهديد والتخويف ولاستنكار إيمانهم به وللسخرية من تصديقهم له في دعواه الرسالة من ربه. ولكن الضعاف لم يعودوا ضعافا لقد سكب الإيمان بالله القوة في قلوبهم والثقة في نفوسهم والاطمئنان في منطقهم .. إنهم على يقين من أمرهم فماذا يجدي التهديد والتخويف، وماذا تجدي السخرية والاستنكار ... من الملأ المستكبرين؟: قالُوا إِنَّا بِما أُرْسِلَ بِهِ مُؤْمِنُونَ.