النبأ الذين يهمهم دائما أن يصغّروا من شأنه في تكييف حياة البشر وفي تحديد خط التاريخ .. ومن ثمّ فإن المسلمين لا يدركون حقيقة دورهم سواء في الماضي أو الحاضر أو المستقبل. وأنه دور ماض في هذه الأرض إلى آخر الزمان .. ).
وبمناسبة قوله تعالى: وَنَفَخْتُ فِيهِ مِنْ رُوحِي قال صاحب الظلال رحمه الله: (ونحن نجهل كنه هذه النفخة؛ ولكننا نعرف آثارها. فآثارها هي التي ميزت هذا الكائن الإنساني عن سائر الخلائق في هذه الأرض. ميزته بخاصية القابلية للرقي العقلي والروحي. هي التي جعلت عقله ينظر تجارب الماضي، ويصمم خطط المستقبل. وجعلت روحه يتجاوز المدرك بالحواس والمدرك بالعقول، ليتصل بالمجهول للحواس والعقول.
وخاصية الارتقاء العقلي والروحي خاصية إنسانية بحتة، لا يشاركه فيها سائر الأحياء في هذه الأرض. وقد عاصر مولد الإنسان الأول أجناس وأنواع شتى من الأحياء. ولم يقع في هذا التاريخ الطويل أن ارتقى نوع أو جنس- ولا أحد أفراده- عقليا أو روحيا. حتى مع التسليم بوقوع الارتقاء العضوي.
لقد نفخ الله من روحه في هذا الكائن البشري، لأن إرادته اقتضت أن يكون خليفة في الأرض؛ وأن يتسلّم مقاليد هذا الكوكب في الحدود التي قدرها له. حدود العمارة ومقتضياتها من قوى وطاقات.
لقد أودعه القدرة على الارتقاء في المعرفة. ومن يومها وهو يرتقي كلما اتصل بمصدر تلك النفخة، واستمد من هذا المصدر في استقامة. فأما حين ينحرف عن ذلك المصدر العلوي فإن تيارات المعرفة في كيانه وفي حياته لا تتناسق، ولا تتجه الاتجاه المتكامل المتناسق المتجه إلى الأمام؛ وتصبح هذه التيارات المتعارضة خطرا على سلامة اتجاهه. إن لم تقده إلى نكسة في خصائصه الإنسانية، تهبط به في سلم الارتقاء الحقيقي. ولو تضخّمت علومه وتجاربه في جانب من جوانب الحياة.
وما كان لهذا الكائن الصغير الحجم، المحدود القوة، القصير الأجل، المحدود المعرفة .. ما كان له أن ينال شيئا من هذه الكرامة لولا تلك اللطيفة الربانية الكريمة ..
وإلا فمن هو؟ إنه ذلك الخلق الصغير الضئيل الهزيل الذي يحيا على هذا الكوكب الأرضي مع ملايين الأنواع والأجناس من الأحياء. وما الكوكب الأرضي إلا تابع