مِنْ أَنْباءِ الْغَيْبِ أي من أخبار الغيوب السابقة نُوحِيهِ إِلَيْكَ ونعلمك به لما فيه من العبرة والعظة وإقامة الحجة وَما كُنْتَ لَدَيْهِمْ حاضرا عندهم ولا مشاهدا لهم إِذْ أَجْمَعُوا أَمْرَهُمْ أي عزموا على ما هموا به من إلقاء يوسف عليه السلام في البئر وَهُمْ يَمْكُرُونَ أي بيوسف ويبغون له الغوائل، والمعنى: أن هذا النبأ غيب لم يحصل لك إلا من جهة الوحي، لم تحضر بني يعقوب حين اتفقوا على إلقاء أخيهم في البئر، ولست ممن درس ويدرس حتى تتعلم مثل ذلك بواسطة الدراسة، فلا كتب أهل الكتاب موجودة
عندك، ولا مترجمة، ولا يوجد من تأخذ عنه، إذ لو كان لعرف، وليس هذا شائعا عند قومك حتى تعرفه، فقامت الحجة على كل أحد بأن هذا القرآن من عند الله يوحيه إليك، ومع وضوح الحجة في هذا الأمر وقيام الدليل القطعي، فالأمر
وَما أَكْثَرُ النَّاسِ وَلَوْ حَرَصْتَ أي ولو اجتهدت كل الاجتهاد على إيمانهم بِمُؤْمِنِينَ لا بسبب من قصور الحجة، ولا بسبب من قصور الدليل، ولكن لانطماس عين البصيرة وصمم القلب والكبر، الذي يمنع من الانصياع للحق، هذا مع أنك يا محمد متبرع بتعليمهم لا تطالبهم على ذلك بأجر، مع أنه لا علم في هذا العالم أشرف ولا أكرم ولا أعظم مما تعلمهم إياه وتدعوهم إليه
ولذلك قال وَما تَسْئَلُهُمْ عَلَيْهِ أي على التبليغ أو على القرآن أو على الهدى مِنْ أَجْرٍ مال أو غيره أي وما تسألهم على هذا النصح والدعاء إلى الخير والرشد من مكافأة، وإنما تفعله ابتغاء وجه الله، ونصحا لخلقه، وفي هذا دليل آخر على أنك رسول الله إِنْ هُوَ إِلَّا ذِكْرٌ لِلْعالَمِينَ أي ما هو إلا عظة من الله للعالمين، وحث على طلب النجاة بواسطة رسول من رسله من أجل أن يتذكروا ويهتدوا وينجوا في الدنيا والآخرة.
[ملاحظة حول السياق]
نلاحظ في السورة السابقة على سورة يوسف أنه بعد ذكر القصص قال تعالى:
ذلِكَ مِنْ أَنْباءِ الْقُرى نَقُصُّهُ عَلَيْكَ مِنْها قائِمٌ وَحَصِيدٌ وَما ظَلَمْناهُمْ وَلكِنْ ظَلَمُوا أَنْفُسَهُمْ فَما أَغْنَتْ عَنْهُمْ آلِهَتُهُمُ الَّتِي يَدْعُونَ مِنْ دُونِ اللَّهِ مِنْ شَيْءٍ. فبعد أن ذكر هناك القصص، ذكر الحكمة من إيرادها، وهي إقامة الحجة على ضرورة عبادة الله، وترك عبادة غيره، إذ لم تنفع عبادة غيره هذه القرى، بل دمرتهم وهكذا يأتي اسم الإشارة (ذلك) ليبين الحكمة من إيراد هذه القصص في ما يحقق هدف السورة ضمن