للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

القضية الأولى: [مناقشة قضية السير في شرع غير شرع الله بمناسبة الآيات (٢١ - ٢٣)]

أَمْ لَهُمْ شُرَكاءُ شَرَعُوا لَهُمْ مِنَ الدِّينِ ما لَمْ يَأْذَنْ بِهِ اللَّهُ قال ابن كثير: أي: هم لا يتّبعون ما شرع الله لك من الدين القويم، بل يتّبعون ما شرع لهم شياطينهم من الجن والإنس، من تحريم ما حرموا عليهم من البحيرة والسائبة والوصيلة والحام، وتحليل أكل الميتة والدم والقمار، إلى نحو ذلك من الضلالات والجهالات الباطلة، التي كانوا قد اخترعوها في جاهليتهم من التحليل والتحريم، والعبادات الباطلة، والأموال الفاسدة.

قال النسفي: وفي الكلام إضمار تقديره: أيقبلون ما شرع الله من الدين، أم لهم آلهة شرعوا لهم من الدين ما لم يأذن به، أي: لم يأمر به وَلَوْلا كَلِمَةُ الْفَصْلِ أي:

القضاء السابق بتأجيل الجزاء. أي: ولولا العدة بأنّ الفصل يكون يوم القيامة لَقُضِيَ بَيْنَهُمْ أي: بين الكافرين والمؤمنين، أو لعجّلت لهم العقوبة قال ابن كثير: أي:

لعوجلوا بالعقوبة لولا ما تقدم من الإنظار إلى يوم المعاد وَإِنَّ الظَّالِمِينَ أي:

المشركين لَهُمْ عَذابٌ أَلِيمٌ في الآخرة وإن أخر عنهم في دار الدنيا، دلّ ذلك على أن المشركين المتّبعين غير شرع الله ظالمون.

وبعد أنّ بيّنت الآية أن المشركين لهم عذاب أليم في الآخرة صوّر الله لنا حال هؤلاء يوم القيامة تَرَى الظَّالِمِينَ أي: المشركين في الآخرة مُشْفِقِينَ أي: خائفين مِمَّا كَسَبُوا أي: من جزاء كفرهم في عرصات القيامة وَهُوَ واقِعٌ بِهِمْ أي: نازل بهم لا محالة، أشفقوا أو لم يشفقوا وَالَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحاتِ وهم المقيمون شرع الله فِي رَوْضاتِ الْجَنَّاتِ لَهُمْ ما يَشاؤُنَ عِنْدَ رَبِّهِمْ قال ابن كثير: فأين هذا من هذا؟ أي: أين من هو في العرصات في الذل والهوان، والخوف المحقق عليه بظلمه، ممن هو في روضات الجنات فيما يشاء من مآكل ومشارب وملابس ومساكن ومناظر ومناكح وملاذّ، مما لا عين رأت ولا أذن سمعت ولا خطر على قلب بشر ذلِكَ هُوَ الْفَضْلُ

الْكَبِيرُ

على العمل القليل، الفوز العظيم والنّعمة التّامة السابغة الشاملة العامّة

ذلِكَ أي: ما ذكر من الفضل الكبير الَّذِي يُبَشِّرُ اللَّهُ عِبادَهُ الَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحاتِ قال ابن كثير: أي: هذا حاصل لهم كائن لا محالة، ببشارة الله تعالى لهم به قُلْ لا أَسْئَلُكُمْ عَلَيْهِ أي: على الدعوة، أو على التبليغ، أو على هذا الإسلام الموصّل إلى مثل هذا الفضل أَجْراً إِلَّا الْمَوَدَّةَ فِي الْقُرْبى أي: إلا أن تودّوا قرابتي، أي: أهلي. أو إلا أن تعملوا بالطاعة التي تقرّبكم عند الله زلفى، أو إلا أن تصلوا ما بيني وبينكم من

<<  <  ج: ص:  >  >>