أجل يجب أن يجتاز أصحاب الدعوة إلى الله هذه العقبة؛ وأن تتم في نفوسهم هذه الاستبانة كي تنطلق طاقتهم كلها في سبيل الله لا تصدها شبهة، ولا يعوّقها غبش ولا يميعها لبس. فإن طاقاتهم لا تنطلق إلا إذا اعتقدوا في يقين أنهم هم «المسلمون» وأن الذين يقفون في طريقهم ويصدونهم ويصدون الناس عن سبيل الله هم «المجرمون».
أقول: إن شهادة لا إله إلا الله محمد رسول الله صلّى الله عليه وسلّم لها مضمونها ولها نواقضها فمن أتى بالمضمون ولم يأت ناقضا من نواقض الشهادتين فهو المسلم، وقد يكون فاسقا أو تقيا، ولكن إذا لم يدرك الإنسان مضمون الشهادتين، أو أتى بناقض من نواقضهما، فإنه لا يكون مسلما، فمثلا من مضمون الشهادتين أن يعرف الإنسان الإسلام ويؤمن به ويسلم لله فيه، فإذا جهل الإسلام ولم يعرف أن يصفه كما هو ولو وصفا إجماليا فإنه لا يكون مسلما حتى قال فقهاء الحنفية: لو أن صغيرة تزوجت ثمّ بلغت عند زوجها وسألها عن الإسلام فلم تعرف أن تصفه فإن عقدها ينفسخ، عند ما كانت صغيرة كانت مسلمة تبعا لأبويها، فلمّا بلغت أصبحت مكلفة بالإسلام، وعليها أن تعرفه، فإذا لم تعرفه لا تكون مسلمة، ولكن ليس شرطا أن تحسن وصفه، بل يكفي في حقّها أنّها لو سئلت عن شئ معلوم من الدين بالضرورة أن تعرفه، وفقهاء الشافعية لا يعتبرون منكر ذلك كافرا إلا بعد البيان.
فلا بد إذن من معرفة مضمون الشهادتين، ولا بد من ترك النواقض، وقد مرّ معنا في سورة المائدة أن كفر نظام ما لا يعني بالضرورة كفر كل فرد فيه ابتداء.
[تلخيص وتذكير]
إن مما ينبغي أن يبقى على ذكر منا: أن الإنذار بالقرآن طريق من طرق التقوى، ولذلك فإن على الدّعاة إلى الله أن يحيوا مجالس الوعظ، وأن يكثروا منها، من أجل أن يتابعوا قضية الإيمان، كما أن على الدعاة أن يعطوا المستجيبين لدعوة الله حقوقهم، فلا تتطلع أعينهم إلى غيرهم زهدا بهم، ورغبة بأهل الدنيا. وإن مما تفهمنا إياه آيات المجموعة التاسعة أن من سبيل المجرمين الترفّع على أهل الإيمان، مما يفهم منه ضمنا أن التواضع لأهل الإيمان من سبيل المؤمنين.
ثمّ تأتي المجموعة العاشرة في الجولة وفيها أوامر لرسول الله صلّى الله عليه وسلّم تأمره أن يعلن عدّة إعلانات تكاد تكون الردّ الأخير في هذه الجولة على اقتراحات الكافرين.