للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

في هذه الدنيا هذا شأنه، فعلى العاقل أن يكون أكثر حرصه على الباقيات الصالحات، لأنها هي التي تدل على أن صاحبها طالب للآخرة، وتدل على أنه قد وضع الدنيا موضعها الحقيقي وأعطاها قيمتها الحقيقة، ومن تأمل حال المال والولد، رأى كيف أن مآلها إلى الزوال كحال كل ما هو من هذه الدنيا.

ثم يأمر الله رسوله صلّى الله عليه وسلّم أن يذكّر عشاق الحياة الدنيا المفتونين بها الكافرين في الآخرة بمشهد من مشاهد يوم القيامة لعل ذلك ينفعهم.

وَيَوْمَ نُسَيِّرُ الْجِبالَ أي واذكر يوم نسيّر الجبال في الجو، أو بأن نجعلها هباء منثورا منبثا، أي يوم تذهب من أماكنها وتزول وَتَرَى الْأَرْضَ بارِزَةً أي بادية ظاهرة ليس فيها معلم لأحد، ولا مكان يواري أحدا، ولا حجر ولا بناء ولا شجر، أي ليس عليها ما يسترها مما كان عليها من الجبال والأشجار، فإذا تذكرنا وَإِنَّا لَجاعِلُونَ ما عَلَيْها صَعِيداً جُرُزاً أدركنا أن الصلة بين هذا المشهد وبين مقدمة سورة الكهف قائمة وَحَشَرْناهُمْ فَلَمْ نُغادِرْ أي فلم نترك مِنْهُمْ أَحَداً أي وجمعنا الأولين منهم والآخرين، فلم نترك منهم أحدا، لا صغيرا ولا كبيرا. قال النسفي: وإنما قال: وَحَشَرْناهُمْ ماضيا بعد (نسيّر) و (ترى) للدلالة على حشرهم قبل التسيير، وقبل البروز؛ ليعاينوا تلك الأهوال، كأنه قيل: وحشرناهم قبل ذلك

وَعُرِضُوا عَلى رَبِّكَ صَفًّا أي مصطفّين ظاهرين، ترى جماعتهم كما ترى كل واحد، لا يحجب أحد أحدا لَقَدْ جِئْتُمُونا كَما خَلَقْناكُمْ أَوَّلَ مَرَّةٍ أي لقد بعثناكم كما أنشأناكم أول مرّة أو جئتمونا عراة لا شئ معكم كما خلقناكم أولا، وهذا تقريع للمنكرين للمعاد، وتوبيخ لهم على رءوس الأشهاد، ولهذا قال تعالى مخاطبا لهم بَلْ زَعَمْتُمْ أَلَّنْ نَجْعَلَ لَكُمْ مَوْعِداً أي بل زعمتم ألّن نجعل لكم وقتا لإنجاز ما وعدتم على ألسنة الأنبياء من البعث والنشور، أي ما كان ظنكم أن هذا واقع بكم، ولا أن هذا كائن

وَوُضِعَ الْكِتابُ أي كتاب الأعمال الذي فيه الجليل والحقير، والفتيل والقطمير، والصغير والكبير فَتَرَى الْمُجْرِمِينَ مُشْفِقِينَ أي خائفين مِمَّا فِيهِ من الذنوب التي واقعوها من الأعمال السيئة، والأفعال القبيحة وَيَقُولُونَ يا وَيْلَتَنا أي يا حسرتنا وويلنا على ما فرّطنا في أعمارنا مالِ هذَا الْكِتابِ لا يُغادِرُ صَغِيرَةً وَلا كَبِيرَةً إِلَّا أَحْصاها أي لا يترك ذنبا صغيرا ولا كبيرا ولا عملا- وإن صغر- إلا أحصى جميع ذلك، أي ضبطها وحفظها وَوَجَدُوا ما عَمِلُوا من خير وشر حاضِراً في

<<  <  ج: ص:  >  >>