قال صاحب الظلال عند هذه الآية التي هي خاتمة السورة:
والآن وقد صور عباد الرحمن. تلك الخلاصة الصافية للبشرية. يختم السورة بهوان البشرية على الله لولا هؤلاء الذين يتطلعون إلى السماء. فأما المكذبون فالعذاب حتم عليهم لزام. قُلْ ما يَعْبَؤُا بِكُمْ رَبِّي لَوْلا دُعاؤُكُمْ فَقَدْ كَذَّبْتُمْ فَسَوْفَ يَكُونُ لِزاماً .. وهو ختام يناسب موضوع السورة كلها؛ ومساقها للتسرية عن رسول الله- صلى الله عليه وسلم وتعزيته عما يلاقي من عناد قومه وجحودهم. وتطاولهم عليه، وهم يعرفون مقامه؛ ولكنهم في سبيل الإبقاء على باطلهم يعاندون ويصرون .. فما قومه؟
وما هذه البشرية كلها، لولا القلة المؤمنة التي تدعو الله، وتتضرع إليه. كما يدعو عباد الرحمن ويتضرعون؟ من هم والأرض التي تضم البشر جميعا إن هي إلا ذرة صغيرة في فضاء الكون الهائل. والبشرية كلها إن هي إلا نوع من أنواع الأحياء الكثيرة على وجه هذه الأرض. وأمة واحدة من أمم هذه الأرض. والجيل الواحد من أمة إن هو إلا صفحة من كتاب ضخم لا يعلم عدد صفحاته إلا الله؟
وإن الإنسان مع ذلك لينتفخ وينتفخ ويحسب نفسه شيئا؛ ويتطاول حتى ليتطاول على خالقه سبحانه! وهو هين هين، ضعيف ضعيف، قاصر قاصر، إلا أن يتصل بالله فيستمد منه القوة والرشاد، وعندئذ فقط يكون شيئا في ميزان الله؛ وقد يرجح ملائكة الرحمن في هذا الميزان فضلا من الله الذي كلم هذا الإنسان وأسجد له الملائكة، ليعرفه ويتصل به ويتعبد له، فيحفظ بذلك خصائصه التي سجدت له معها الملائكة؛ وإلا فهو لقى ضائع، لو وضع نوعه كله في الميزان ما رجحت به كفة الميزان! قُلْ: ما يَعْبَؤُا بِكُمْ رَبِّي لَوْلا دُعاؤُكُمْ .. وفي التعبير سند للرسول صلى الله عليه وسلم وإعزاز: قُلْ: ما يَعْبَؤُا بِكُمْ رَبِّي فأنا في جواره وحماه. هو ربي وأنا عبده. فما أنتم بغير الإيمان به، والانضمام إلى عباده؟ إنكم حصب جهنم فَقَدْ كَذَّبْتُمْ فَسَوْفَ يَكُونُ لِزاماً)