للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

المثل هو المؤمن. قال ابن كثير: (لما ضرب الله تعالى مثل قلب المؤمن وما فيه من الهدى والعلم، بالمصباح في الزجاجة الصافية، المتوقد من زيت طيب، وذلك كالقنديل مثلا، ذكر محلها وهي المساجد التي هي أحب البقاع إلى الله تعالى من الأرض، وهي بيوته التي يعبد فيها ويوحد) وعلى هذا فكأن الله عزّ وجل أفهمنا أن مظنة وجود هذا النوع من الناس، الذين وصف الله قلوبهم بما وصف، هي المساجد التي أمر الله أن تعظم، بتعاهدها وتطهيرها من الدنس واللغو، والأقوال، والأفعال، التي لا تليق

فيها، وأن يذكر فيها اسمه في الصلاة، وحلقات العلم والذكر، وقراءة القرآن، وأمثال ذلك. ومن ثم ورد في الحديث «إذا رأيتم الرجل يعتاد المسجد فاشهدوا له بالإيمان» وبعض المفسرين علق قوله تعالى فِي بُيُوتٍ بقوله تعالى يُوقَدُ مِنْ شَجَرَةٍ مُبارَكَةٍ وعلى هذا يكون المعنى: أن القلوب المؤمنة، توقد من شريعة الله، في بيوت أذن الله أن ترفع، ويذكر فيها اسمه، وهذا يفيد أن مدد الإيمان مظنته المساجد، ومن ثم فعلى العلماء أن يقيموا حلقات العلم، والقرآن في المساجد، من أجل أن يوقدوا مصباح الإنسان وهو قلبه، وعلى أي من التفسيرين، فإن المساجد لها الدور الأول في إيجاد الإيمان، ووجود المؤمن، وهذا يجعل مسئوليتنا كبيرة في عمارة المساجد، ولنا عودة هذا الموضوع في الفوائد.

بعد أن عرفنا أن المساجد هي مظنة وجود هذا النوع من القلوب، أو هذا النوع من المؤمنين المهتدين المذكورين في الآية السابقة، وبعد أن ذكرنا الله عزّ وجل أن من شأن المساجد أن تعظم عن كل ما لا يليق بها، وأن من شأنها أن يذكر فيها اسمه قال:

يُسَبِّحُ لَهُ فِيها أي في المساجد بِالْغُدُوِّ وَالْآصالِ أي في البكور والعشيات، والآصال: جمع الجمع، فهي جمع أصل، التي هي جمع أصيل، وهو آخر النهار، وإنما وحد الغدو لأن صلاته واحدة، أما الآصال فصلواتها أربع

رِجالٌ أي يصلي لله في المساجد رجال في الغدو، أي صلاة الفجر، والآصال: أي صلاة الظهر، والعصر، والعشاءين، قال سعيد بن جبير عن ابن عباس: «كل تسبيح في القرآن هو الصلاة» ثم وصف الله هؤلاء الرجال بقوله: لا تُلْهِيهِمْ أي لا تشغلهم تِجارَةٌ في سفر وَلا بَيْعٌ في الحضر، ويمكن أن يكون المراد بالتجارة الشراء، والبيع معروف عَنْ ذِكْرِ اللَّهِ بالقلب واللسان وَإِقامِ الصَّلاةِ أي وعن إقامة الصلاة وَإِيتاءِ الزَّكاةِ أي وعن إيتاء الزكاة، وهل المعنى أنه لا تجارة لهم أصلا؟

أو أن لهم تجارة ولكن لا تشغلهم عن القيام بحق الله؟ قولان للمفسرين، والراجح

<<  <  ج: ص:  >  >>