فيه من الحكمة ما فيه، وفيه وضع الأساس للمستقبل في امتحان بني إسرائيل باتباع وحي الله، سواء نزل على رسول منهم أو من غيرهم. وفي هذا المقطع بيان لموقف أمة موسى من التوحيد وعبادة الله، وهو ما طالب به كل رسول قومه وكيف أنهم انحرفوا أول مرة بالمطالبة باعتماد الشرك، ثم انحرفوا ثانيا بممارسة الشرك. فالمقطع قرر كيف كان موقف أمة من الهدى المنزل عليها، وكيف عالج رسولها هذا الانحراف أول مرة وثاني مرة. وخلال ذلك أخبرنا الله بما أنزل من هدى على موسى. وبما بشر به بأنه سينزله على محمد صلى الله عليه وسلم، وكيف أن ما أنزله واجب الاتباع، كما بين لنا بعض سننه في الهداية والإضلال، والعقوبة والمكافأة، كما عرفنا على ذاته بمزيد من المعرفة، وكل ذلك سائر على سنن السورة ومحورها العام، وسنرى في المعنى الحرفي والفوائد والنقول التي سننقلها من أسفار موسى من كتب العهد القديم والملاحظات عليها، والكلمة الأخيرة في السياق، ما يزيدنا تعرفا على هذا المقطع وصلته بالسياق العام.
وبعد أن استقر المقطع على التبشير بالرسالة الخاتمة، والأمة الأخيرة، والدعوة الكاملة. أمر الله رسوله صلى الله عليه وسلم، صاحب هذه الرسالة، وإمام هذه الأمة، وقائد هذه الدعوة، أن يعلن للناس، أحمرهم وأسودهم، وعربهم وعجمهم، أنه رسول الله إليهم جميعا. الله مالك السموات والأرض. الإله الأوحد، الذي بيده الحياة والموت. وإذا كان الأمر كذلك فإن الله يأمرهم باتباعه والإيمان به. كيف وهو النبي الأمي الذي وعدوا به، وبشروا في الكتب المتقدمة، فإنه منعوت بذلك في كتبهم. هذا النبي الذي يصدق قوله عمله، وهو يؤمن بما أنزل إليه من ربه. فاسلكوا طريقه أيها الناس، واقتفوا أثره لعلكم تهتدون إلى الصراط المستقيم.
وإذ كان اليهود هم أصحاب الكتاب الأول، وهم الذين بشر الله في كتابهم برسول هذه الأمة، فهم مدعوون للدخول بهذا الدين. ومن ثم اتجه السياق للكلام عنهم. فبين تعالى أن بني إسرائيل طائفتان: طائفة منهم عندها استعداد للحق وقبوله واتباعه والعمل به، ويفهم من ذلك، أن الطائفة الأخرى وهي الأكبر والأعظم ليست كذلك. ومجئ هذه الآية في نهاية المقطع يشير إلى شئ آخر، وهو أن بني إسرائيل الذين مر معنا شئ عن انحرافاتهم لم ينحرفوا جميعا. ولم يكونوا على سواء.