الأوائل فَما أَغْنى عَنْهُمْ ما كانُوا يَكْسِبُونَ أي: لم يردّ عنهم ذلك شيئا لمّا جاء بأس الله.
[كلمة في السياق]
بدأ المقطع بقوله تعالى أَوَلَمْ يَسِيرُوا فِي الْأَرْضِ ... وبعد ثلاث فقرات يعود السياق إلى خطابهم بنفس المضمون أَفَلَمْ يَسِيرُوا فِي الْأَرْضِ ... لافتا نظرهم إلى الاعتبار في السير، إلى علة هلاك الأمم السابقة، وفي ذلك تحذير أي تحذير.
فَلَمَّا جاءَتْهُمْ رُسُلُهُمْ بِالْبَيِّناتِ بالمعجزات والحجج القاطعات، والبراهين الدامغات فَرِحُوا بِما عِنْدَهُمْ مِنَ الْعِلْمِ قال النسفي: يريد علمهم بأمور الدنيا، ومعرفتهم بتدبيرها كما قال تعالى يَعْلَمُونَ ظاهِراً مِنَ الْحَياةِ الدُّنْيا وَهُمْ عَنِ الْآخِرَةِ هُمْ غافِلُونَ فلما جاءتهم الرسل بعلوم الدين- وهي أبعد شئ من علمهم؛ لبعثها على رفض الدنيا والظلف عن الملاذ والشهوات- لم يلتفتوا إليها، وحقروها واستهزءوا بها، واعتقدوا أنه لا علم أنفع وأجلب للفوائد من علمهم، ففرحوا به، أو علم الفلاسفة والدهريين فإنهم كانوا إذا سمعوا بوحي الله دفعوه، وحقروا علم الأنبياء إلى علمهم، وَحاقَ بِهِمْ أي: بالكافرين الفرحين بما عندهم من العلم ما كانُوا بِهِ يَسْتَهْزِؤُنَ أي: يكذّبون ويستبعدون وقوعه
فَلَمَّا رَأَوْا بَأْسَنا أي: عاينوا وقوع العذاب بهم قالُوا آمَنَّا بِاللَّهِ وَحْدَهُ وَكَفَرْنا بِما كُنَّا بِهِ مُشْرِكِينَ أي: وحّدوا الله عزّ وجل، وكفروا بالطاغوت، ولكن حيث لا تقال العثرات، ولا تنفع المعذرة
فَلَمْ يَكُ يَنْفَعُهُمْ إِيمانُهُمْ لَمَّا رَأَوْا بَأْسَنا أي: عذابنا، أي: فلم يصح ولم يستقم أن ينفعهم إيمانهم وقتذاك سُنَّةَ اللَّهِ الَّتِي قَدْ خَلَتْ أي: مضت فِي عِبادِهِ أنّ الإيمان عند نزول العذاب لا ينفع، وأن العذاب نازل بمكذّبي الرسل. قال ابن كثير: أي: هذا حكم الله في جميع من تاب عند معاينة العذاب أنّه لا يقبل، ولهذا جاء في الحديث:«إن الله تعالى يقبل توبة العبد ما لم يغرغر» أي: فإذا غرغر، وبلغت الروح الحنجرة، وعاين الملك فلا توبة حينئذ، ولهذا قال تعالى وَخَسِرَ هُنالِكَ الْكافِرُونَ والكافرون خاسرون في كل أوان، ولكن يتبيّن خسرانهم إذا عاينوا العذاب، وبهذا انتهت السورة مشبها آخرها أولها، مرتبطا أولها بآخرها بأواسطها.