ذلك القيظ والحر الشديد والجهد لم يسألوا خرق عادة ولا إيجاد أمر مع أن ذلك كان سهلا على النبي صلى الله عليه وسلم، ولكن لما أجهدهم الجوع سألوه في تكثير طعامهم فجمعوا ما معهم فجاء قدر مبرك الشاة فدعا الله فيه وأمرهم فملئوا كل وعاء معهم، وكذا لما احتاجوا إلى الماء سأل الله تعالى فجاءتهم سحابة فأمطرتهم فشربوا وسقوا الإبل وملئوا أسقيتهم ثم نظروا فإذا هي لم تجاوز العسكر فهذا هو الأكمل».
هذه نعمة أخرى يأمرهم الله عزّ وجل بتذكرها وهي الفتح بعد التيه، ويأمرهم أن يشكروه على نعمة الفتح والرخاء بأنواع من الطاعة، وهم العطاش إلى الفتح والاستقرار بعد تشرد طويل، وهم المحتاجون إلى العيش الرغد بعد تيه طويل، ومع ذلك لم يقابلوا ذلك بما ينبغي.
وَإِذْ قُلْنَا ادْخُلُوا هذِهِ الْقَرْيَةَ الظاهر أن هذا القول لهم بعد ما خرجوا من التيه بعد وفاة موسى عليه الصلاة والسلام في عهد يوشع بن نون خليفة موسى على قومه والقرية إما بيت المقدس أو أريحا، فَكُلُوا مِنْها حَيْثُ شِئْتُمْ رَغَداً أي هنيئا واسعا وَادْخُلُوا الْبابَ سُجَّداً الباب باب القرية أو باب القبة التي كانوا يصلون إليها، وسجدا جمع ساجد أمروا بالسجود عند الانتهاء إلى الباب شكرا لله تعالى وتواضعا له، وهل المراد بالسجود هنا الركوع أو الخضوع، أو السجود الحقيقي؟ أقوال للمفسرين والظاهر أنه السجود الحقيقي. وَقُولُوا حِطَّةٌ أمروا أن يجمعوا مع الفعل القول فيطلبوا من الله أن يحط عنهم ذنوبهم فالحطة: مشتقة من الحط وهو هنا إما طلب حط الذنوب، أو أن
مسألتنا وأمرنا حطة أي تواضع لجلال الله، أو أمر الله حطة بمعنى: أنه موضوع علينا. نَغْفِرْ لَكُمْ خَطاياكُمْ وَسَنَزِيدُ الْمُحْسِنِينَ: الخطايا جمع خطيئة وهي الذنب، وعدوا (على الطاعة في القول والفعل) غفران الذنب للمذنب والزيادة في الثواب للمحسن، فكيف كان موقفهم من الأمرين:
فَبَدَّلَ الَّذِينَ ظَلَمُوا قَوْلًا غَيْرَ الَّذِي قِيلَ لَهُمْ أمروا بقول معناه التوبة والاستغفار، فخالفوه إلى قول ليس معناه ما أمروا به، قيل: قالوا بدل حطة: حنطة، وأمروا بالسجود حال الدخول، فبدلوا بأن دخلوا زاحفين على أستاههم. فَأَنْزَلْنا عَلَى الَّذِينَ ظَلَمُوا رِجْزاً أي عذابا مِنَ السَّماءِ بِما كانُوا يَفْسُقُونَ الفسوق هو