وجاء هذا المقطع مذكرا بالعهود الأساسية التي أخذت على بني إسرائيل والتي منها:
إقامة الصلاة، ونصرة الرّسل، وكيف كان موقفهم منها لتأخذ هذه الأمة عبرة.
وأرانا المقطع كيف أن بني إسرائيل نكصوا عن القتال، وفي هذا السياق يأتي الكلام عن القتل الظالم ليكون ذلك كله مقدمة للمقطع الذي فيه أمر بالجهاد، وقطع يد السارق، فكان بمثابة استمرار للكلام عما به تنحسم مادة الفساد في الأرض.
فالمقطع الثاني، يقدم للمقطع الثالث، ويضرب الأمثلة التي تعين علي القيام بأمر الله فهو يخدم معاني المقطع الأول ويمهد لإقامة معاني المقطع الثالث.
والملاحظ أن موسى عليه السلام قدّم للأمر بالجهاد بالتذكير بنعمة الله على بني إسرائيل، وقد ختم المقطع الأول بالتذكير بالنعمة على هذه الأمة. ثم جاء المقطع الثالث ليأمر بالجهاد مما يرينا كيف أنّ المقطع الثاني خدم المقطع الأول، وأن المقطع الأول والثاني يخدمان في تحقيق معاني المقطع الثالث. وصلة ذلك بالتربية والبناء لأمتنا من حيث إن المقاطع تأخذ بيدها شيئا فشيئا، لا تخفى. وهذا أوان الشروع في تبيان المعاني العامة للمقطع الثاني.
[المعنى العام]
لمّا أمر الله عباده المؤمنين بالوفاء بعهده وميثاقه الذي أخذه عليهم في ابتداء المقطع الأول، وفي أواخره كما رأينا. شرع يبيّن لهم كيف أنّه أخذ العهود والمواثيق على من كان قبلهم من أهل الكتابين اليهود والنّصارى، فلمّا نقضوا عهوده ومواثيقه، أعقبهم ذلك لعنا منه لهم، وطردا عن بابه وجنابه، وحجابا لقلوبهم عن الوصول إلى الهدى ودين الحق. وهذا يؤكد ما ذكرناه من قبل من كون محور سورة المائدة هو قوله تعالى في سورة البقرة: وَما يُضِلُّ بِهِ إِلَّا الْفاسِقِينَ* الَّذِينَ يَنْقُضُونَ عَهْدَ اللَّهِ مِنْ بَعْدِ مِيثاقِهِ ....
وقد بيّن الله- عزّ وجل- في الفقرة الأولى من المقطع، والتي لها علاقة بأخذ الميثاق كيف أنّه أخذ الميثاق على بني إسرائيل في زمن موسى، وكيف أنّه جعل عليهم اثني عشر نقيبا على كل سبط منهم نقيب. ووعدهم الله- عزّ وجل- بالنّصر والرّعاية