للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

والسياق لم يذكر غيرها يبدو أنه رأى رغبة الجميع به، وإجماع الجميع على أن عليه أن يرحم سيدته فيعطيها مرادها وهو منطق الناس إذا لم يكن إيمان وَإِلَّا تَصْرِفْ عَنِّي كَيْدَهُنَّ أَصْبُ إِلَيْهِنَّ أي أميل إليهن، والصبوة: الميل إلى الهوى، ومنه الصبا لأن النفوس تصبو إليها لطيب نسيمها وروحها وَأَكُنْ مِنَ الْجاهِلِينَ أي من الذين لا يعملون بما يعلمون لأن من لا جدوى لعلمه فهو ومن لم يعلم سواء أو من السفهاء، وهكذا فزع إلى الله في طلب العصمة، مبينا أنه إن وكل إلى نفسه فليس له في محنة الجمال طاقة إن استمر الامتحان. واختار السجن على سعير امتحان الشهوة، فما أصعب هذا الامتحان، وما أكمل يوسف عليه السلام، إذ أنه مع شبابه وجماله وكماله تدعوه سيدته وهي امرأة عزيز مصر، وهي مع هذا في غاية الجمال والمال والرئاسة، ويمتنع من ذلك ويختار السجن على ذلك خوفا من الله ورجاء توبته.

فَاسْتَجابَ لَهُ رَبُّهُ أي أجاب دعاءه فَصَرَفَ عَنْهُ كَيْدَهُنَّ إِنَّهُ هُوَ السَّمِيعُ لدعوات الملتجئين إليه الْعَلِيمُ بكل حال

ثُمَّ بَدا لَهُمْ أي ثم ظهر لهم من المصلحة مِنْ بَعْدِ ما رَأَوُا الْآياتِ وهي الشواهد على براءته، كقد القميص، وشهادة الشاهد، وجرح الأيدي، وغير ذلك. لَيَسْجُنُنَّهُ حَتَّى حِينٍ أي إلى زمان، فكأنها اقترحت أن يسجن زمانا حتى تبصر ما يكون منه، وطاوعها زوجها لإبداء عذر الحال، وإرخاء الستر على القيل والقال، وللإيهام أنهم سجنوه لأنه راودها عن نفسها، وإنهم سجنوه لذلك، ولهذا نلاحظ أن يوسف عليه السلام امتنع فيما بعد من الخروج إلا بعد إثبات البراءة، وما كان سجنه- والله أعلم- إلا باستنزال المرأة زوجها المطواع على رأيها.

قال النسفي: وقد طمعت أن يذله السجن ويسخره لها، أو خافت عليه العيون، وظنت فيه الظنون، فألجأها الخجل من الناس والوجل من اليأس إلى أن رضيت بالحجاب مكان خوف الذهاب لتشتفي بخبره إذا منعت من نظره اه. أقول: ومن ثم لم تقترح في الأصل إلا السجن أو العذاب، ولم تذكر القتل وهذا يدل على تمكن الحب.

[فوائد]

١ - هذه الآيات من سورة يوسف يقابلها فيما يسمونه التوراة الحالية الإصحاح التاسع والثلاثون من سفر التكوين، وفيه أن فوطيفار خصي فرعون ورئيس الشرط هو الذي اشترى يوسف وسلمه شئون البيت، وفيه مراودة امرأته ليوسف ورفض يوسف وجوابه لها (هو ذا سيدي لا يعرف معي ما في البيت وكل ماله قد دفعه إلى يدي ليس هو

<<  <  ج: ص:  >  >>