لجدال الكافرين، واستحقاقهم الطبع على القلب بذلك، وبيّنت لنا أنماطا من جدال الكافرين بآيات الله، وبيّنت لنا تأييد الله لرسله وللمؤمنين، وبيّنت لنا مآل الكافرين، وكل ذلك قد تحدّثت عنه مقدمة السورة، فالقصة خدمت ما سبقها من معان، وهي كذلك تخدم المعاني التي ستأتي بعدها فلننتقل الآن إلى الفقرة الثانية في المقطع.
الفقرة الثانية من المقطع [وتشتمل على أربع مجموعات]
[تفسير المجموعة الأولى من الفقرة الثانية]
فَاصْبِرْ يا محمد على ما يجرعك الكافرون من الغصص في مواقفهم الظالمة الكافرة المنكرة المستكبرة الرافضة للحق إِنَّ وَعْدَ اللَّهِ بإقامة الساعة حَقٌّ لا مرية فيه ولا شك وَاسْتَغْفِرْ لِذَنْبِكَ قال النسفي: أي: لذنب أمّتك، وقال ابن كثير: هذا تهييج للأمّة على الاستغفار، أقول: هو على كل حال أمر له عليه الصلاة والسلام بالاستغفار، وكان عليه الصلاة والسلام يستغفر كثيرا كل يوم كما سنرى في الفوائد، ولعل استغفاره أثر عن رؤية التقصير عن مراتب العمل كما ينبغي لله جل جلاله، فإنّ الإنسان كلّما عرف من جلال الله وكماله، زاد شعوره بكثرة تقصيره؛ فيستغفر استغفار المذنبين، ومن ثمّ قالوا: حسنات الأبرار سيئات المقربين وَسَبِّحْ بِحَمْدِ رَبِّكَ بِالْعَشِيِّ أي: في أواخر النّهار، وأوائل الليل وَالْإِبْكارِ وهي أوائل النهار وأواخر الليل هكذا قال ابن كثير في تفسير العشي والإبكار، وقال النسفي: أي: دم على عبادة ربك والثناء عليه، وقيل:
هي صلاتا الفجر والعصر، وقيل: سبحان الله وبحمده
إِنَّ الَّذِينَ يُجادِلُونَ فِي آياتِ اللَّهِ بِغَيْرِ سُلْطانٍ أَتاهُمْ أي: يدفعون الحق بالباطل، ويردّون الحجج بالشبه الفاسدة بلا برهان ولا حجة من الله إِنْ فِي صُدُورِهِمْ إِلَّا كِبْرٌ أي: تعظّم، وهو إرادة التقدّم والرئاسة، وألا يكون أحد فوقهم، فلهذا عادوك ودفعوا آياتك، خيفة أن تتقدمهم، ويكونوا تحت يدك وأمرك ونهيك؛ لأن النبوة تحتها كل ملك ورئاسة، أو إرادة أن تكون لهم النبوة دونك، حسدا وبغيا، أو إرادة دفع الآيات بالجدل ما هُمْ بِبالِغِيهِ أي:
ما هم ببالغي موجب الكبر ومقتضاه وهو متعلّق إرادتهم من الرئاسة، أو النّبوة، أو دفع الآيات، قال ابن كثير: أي: ما في صدورهم إلا كبر على اتباع الحق واحتقار لمن جاءهم