قرر الله عزّ وجل ما رأينا يأتي قوله تعالى فَاصْبِرْ ... ثم بعد آيات كثيرة يتكرر الأمر بالصبر فَاصْبِرْ فإذا تذكّرنا أنه قبيل بداية المقطع ورد قوله تعالى وَأَنْذِرْهُمْ يَوْمَ الْآزِفَةِ .. نعلم كيف أنّ السورة وجّهت الرسول صلّى الله عليه وسلم نحو الإنذار، ثم تبدأ الآن توجّهه نحو الصبر أمام المواقف المتعنّتة المستكبرة.
٢ - إذا اتضح ما مرّ ندرك كيف تسير السورة في تفصيل المحور إِنَّ الَّذِينَ كَفَرُوا سَواءٌ عَلَيْهِمْ أَأَنْذَرْتَهُمْ أَمْ لَمْ تُنْذِرْهُمْ لا يُؤْمِنُونَ* خَتَمَ اللَّهُ عَلى قُلُوبِهِمْ وَعَلى سَمْعِهِمْ وَعَلى أَبْصارِهِمْ غِشاوَةٌ وَلَهُمْ عَذابٌ عَظِيمٌ فالسورة ترينا أنّ هناك كافرين لا يؤثّر فيهم الإنذار، وترينا مظاهر من العذاب العظيم للكافرين، وترينا علامة الكافرين الذين يستأهلون الطبع على القلوب، كما ترينا ضرورة الإنذار. وها هي ذي تصل إلى الحديث عما ينبغي أن يكون عليه النذير من الصفات.
٣ - رأينا في قصة مؤمن آل فرعون نموذجا على إنذار المؤمن، ونموذجا على مواقف المؤمنين، والدرس الكبير الذي نأخذه من القصة: أن كتمان الإيمان ينبغى أن يكون لخدمة الدعوة، حتى إذا أصبح الإظهار هو المصلحة الحقيقية فينبغي أن يظهر الإيمان، فالذين يكتمون ويموتون وهم كاتمون مع وجود المصلحة الحقيقية للإظهار- وخاصة عند ما يكونون في وضع يفترض عليهم أن يفعلوا- هؤلاء آثمون.
٤ - بدأت السورة بتبيان أن هذا القرآن من عند الله، ثم تحدّثت عن كون الكافرين يجادلون في آيات الله، وأمرت رسول الله صلّى الله عليه وسلم بألا يغرّ بتقلّبهم في البلاد، ثم ذكرت موقف الأمم السابقة من رسلها، وما عوقبوا به، ثم حدّثتنا عن دعاء الملأ الأعلى للمؤمنين، وتأنيب الملائكة للكافرين يوم القيامة، ثمّ عرّفتنا على الله عزّ
وجل، آمرة لنا بعبادته، والإخلاص فيها ولو كره الكافرون، ثمّ عرّفتنا على الله وإرساله الرسل، وأمرت الرسول صلّى الله عليه وسلم بالإنذار. ثمّ خاطب الله الكافرين بأن يعتبروا بمشاهداتهم لفعل الله لرسله وللمؤمنين، وفي ذلك بشارة للمؤمنين وتثبيت لقلب رسول الله صلّى الله عليه وسلم، حتى إذا وضحت الأمور هذا الوضوح يأتي الآن توجيه لرسول الله صلّى الله عليه وسلم آمرا إياه بالصبر كما سنرى.
٥ - إن قصة موسى عليه السلام خدمت بشكل مباشر قوله تعالى أَوَلَمْ يَسِيرُوا .. ، كما خدمت مقدمة السورة كذلك؛ إذ بيّنت لنا الأسباب النفسية والقلبية