وإذا تذكرنا أن المقطع الثاني من القسم الأول مبدوء بقوله تعالى: إِنَّ الدِّينَ عِنْدَ اللَّهِ الْإِسْلامُ ندرك كيف أن السياق في سورة آل عمران يمضي على نسق واحد.
[المعنى الحرفي]
ما كانَ لِبَشَرٍ أي ما ينبغي لبشر أَنْ يُؤْتِيَهُ اللَّهُ الْكِتابَ وَالْحُكْمَ. تحتمل كلمة (الحكم) ثلاثة معان: إما فصل القضاء، وإما الحكمة، وإما السنة المفسرة للكتاب. وَالنُّبُوَّةَ ثُمَّ يَقُولَ لِلنَّاسِ كُونُوا عِباداً لِي مِنْ دُونِ اللَّهِ قال الحسن البصري: لا ينبغي لمؤمن أن يأمر الناس بعبادة غير الله. وَلكِنْ كُونُوا رَبَّانِيِّينَ الرباني: منسوب إلى الرب بزيادة ألف ونون، وهو الشديد التمسك بدين الله، وطاعته، فصار المعنى: ولكن يقول- من آتاه الله النبوة للناس-: كونوا متمسكين بدين الله، وطاعته، وهذا يقتضي علما، وفقها، وحلما. ولذلك فسر ابن عباس الربانيين بأنهم: العلماء الحكماء الحلماء. وفسرها الحسن: بأهل العبادة، والتقوى. والجميع تقتضيه النسبة بِما كُنْتُمْ تُعَلِّمُونَ الْكِتابَ وَبِما كُنْتُمْ تَدْرُسُونَ.
أي: كونوا ربانيين بسبب كونكم معلمين دارسين، دل النص على أن الربانية التي هي: قوة التمسك بطاعة الله مسببة عن العلم والتعليم، وكفى به دليلا على خيبة سعي من أجهد نفسه، وكد روحه في جمع العلم، ثم لم يجعله ذريعة إلى العمل.
وَلا يَأْمُرَكُمْ أَنْ تَتَّخِذُوا الْمَلائِكَةَ وَالنَّبِيِّينَ أَرْباباً. أي: ولا يأمركم بعبادة أحد غير الله، لا نبي مرسل، ولا ملك مقرب. أَيَأْمُرُكُمْ بِالْكُفْرِ بَعْدَ إِذْ أَنْتُمْ مُسْلِمُونَ. أي:
أمن المعقول أن يدعوكم إلى الكفر، بأن يدعوكم إلى عبادة أحد مع الله، بعد إذ تستجيبون له بالإسلام لله رب العالمين.
[فوائد]
١ - سبب نزول الآيتين، ما أخرجه ابن إسحاق عن ابن عباس قال: «قال أبو رافع القرظي، حين اجتمعت الأحبار من اليهود والنصارى من أهل نجران عند رسول الله صلى الله عليه وسلم، ودعاهم إلى الإسلام قالوا: أتريد يا محمد أن نعبدك كما تعبد النصارى عيسى ابن مريم؟ فقال رجل من أهل نجران نصراني- يقال له الرئيس-: أو ذاك تريد منا يا محمد؟ وإليه تدعونا؟ فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: معاذ الله أن نعبد غير الله، أو أن نأمر بعبادة غير الله، ما بذلك بعثني، ولا بذلك أمرني. فأنزل الله في ذلك: ما كانَ