للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

لمصلحة عباده، فكيف يهملهم، فلا يهديهم ولا ينزل عليهم وحيا يبشرهم وينذرهم، ألا إن عجب الناس من أن ينزل الله وحيا في غير محله. وهكذا نرى أن الشبهة الأولى ضد هذا القرآن تتحطم بشكل ثم بآخر

إِنَّ فِي اخْتِلافِ اللَّيْلِ وَالنَّهارِ أي في مجئ كل واحد منها خلف الآخر، أو في اختلاف لونيهما، أو في تعاقبهما، إذا جاء هذا ذهب هذا، وإذا ذهب هذا جاء هذا، لا يتأخر عنه، أو اختلافهما بالذهاب والمجئ والزيادة والنقصان وَما خَلَقَ اللَّهُ فِي السَّماواتِ أي من الآيات الدالة على عظمته من ظاهر للجميع أو ظاهر للبعض وَالْأَرْضِ من الخلائق والعجائب والدلائل لَآياتٍ أي دلالات على قدرته تعالى لِقَوْمٍ يَتَّقُونَ أي يتقون الله باتقاء عقابه وسخطه وعذابه، خصهم بالذكر لأنهم يحذرون الآخرة فيدعوهم الحذر إلى النظر، كأن الله عزّ وجل بعد أن أقام الحجة على ضرورة إنزال الوحي من خلال ذكره عنايته بخلقه، نبه تعالى أن الآيات في هذا الكون التي تدل على كمال عنايته لا يعرفها ولا ينتفع بها إلا المتقون، فلا يستغرب إذن أن يكون كثير من الناس بمنأى عن الانتفاع، وبالتالي فهم مبتعدون عن الوحي المنزل.

ثم عقب الله عزّ وجل بخمس آيات تبين السبب الرئيسى للكفر بالوحي وهو الكفر بالآخرة والاطمئنان للدنيا، وتدل على الطريق الصحيح للوصول، وتذكر بعض الأسباب التى تجعل الناس يكفرون، فالكفر أثر عن الجهل بالله وسننه. ففي الآيات الخمس الآتية مزيد بيان في شأن الكفر بالوحي والإيمان به

*** ويلاحظ أن المقطع الذي بين أيدينا بدأ بقوله تعالى أَكانَ لِلنَّاسِ عَجَباً أَنْ أَوْحَيْنا إِلى رَجُلٍ مِنْهُمْ أَنْ أَنْذِرِ النَّاسَ وَبَشِّرِ الَّذِينَ آمَنُوا ... وهي تنتهي بإنذار الكافرين وتبشير المؤمنين. وكما أن ذكر الإنذار في الآية الأولى سبق، فإن الإنذار هنا يسبق التبشير

..........

إِنَّ الَّذِينَ لا يَرْجُونَ لِقاءَنا بالبعث، أي لا يتوقعونه أصلا، ولا يخطرونه ببالهم؛ لغفلهم عن التفطن للحقائق، أو لا يؤملون حسن لقائنا كما يؤمله السعداء، أو لا يخافون خطر لقائنا الذي يجب أن يخاف وَرَضُوا بِالْحَياةِ الدُّنْيا أي بدل الآخرة، بإنكارهم للآخرة وإيثارهم القليل الفاني على الكثير الباقي فجعلوا الحياة الدنيا منتهى

<<  <  ج: ص:  >  >>