للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

من شر الخصال، يمنعون مالهم، ويتمنون ما لغيرهم، وفي الآية دليل على فساد الحسد واستقباحه فَقَدْ آتَيْنا آلَ إِبْراهِيمَ الْكِتابَ. أي: التوراة. وَالْحِكْمَةَ.

أي: الموعظة والفقه. وَآتَيْناهُمْ مُلْكاً عَظِيماً، ملك يوسف وداود وسليمان عليهم السلام. وهذا إلزام لهم بما عرفوه من إيتاء الله الكتاب والحكمة آل إبراهيم الذين هم أسلاف محمد صلى الله عليه وسلم، وأنه ليس ببدع أن يؤتيه الله مثل ما آتى أسلافه.

فَمِنْهُمْ مَنْ آمَنَ بِهِ وَمِنْهُمْ مَنْ صَدَّ عَنْهُ. أي: فمن اليهود من آمن بما ذكر من حديث آل إبراهيم، ومنهم من أنكره، ومنع الناس من الإيمان به، مع علمه بصحته! وهذا إلزام لهم بأنهم عاقون متمردون، فليس مستغربا كفرهم بمحمد صلى الله عليه وسلم، ومنهم من فسر النص بقوله: فمنهم من آمن بمحمد صلى الله عليه وسلم ومنهم من كفر به، وصد عن دينه. والتفسير الأول هو الأكثر انسجاما مع السياق. وَكَفى بِجَهَنَّمَ سَعِيراً. أي: وكفى بالنار عقوبة لهم على كفرهم وعنادهم، ومخالفتهم كتب الله ورسله.

[فوائد]

١ - بمناسبة قوله تعالى: أَنْ نَطْمِسَ وُجُوهاً .. يروي المفسرون أن هذه الآية كانت سبب إسلام كعب الأحبار، ومما يروونه في ذلك عن أبي إدريس عائذ الله الخولاني قال: كان أبو مسلم الجليلي معلم كعب، وكان يلومه في إبطائه عن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: «فبعثه إليه ينظر أهو هو، قال كعب: فركبت حتى أتيت المدينة، فإذا تال يقرأ القرآن يقول: يا أَيُّهَا الَّذِينَ أُوتُوا الْكِتابَ ... الآية. فبادرت الماء، فاغتسلت، وإني لأمس وجهي مخافة أن أطمس، ثم أسلمت»، والمعروف أن كعبا أسلم في خلافة عمر فلعل هذه الحادثة في غير كعب، وهناك رواية أخرى تذكر إسلام كعب بسبب سماعه الآية في حمص وهو في طريقه إلى بيت المقدس.

٢ - روى الإمام أحمد عن عائشة قالت: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «الدواوين عند الله ثلاثة: ديوان لا يعبأ الله به شيئا، وديوان لا يترك الله منه شيئا، وديوان لا يغفره الله، فأما الديوان الذي لا يغفره الله، فالشرك بالله، قال الله- عزّ وجل- إِنَّ اللَّهَ لا يَغْفِرُ أَنْ يُشْرَكَ بِهِ الآية، وقال: إِنَّهُ مَنْ يُشْرِكْ بِاللَّهِ فَقَدْ حَرَّمَ اللَّهُ عَلَيْهِ الْجَنَّةَ. وأما الديوان الذي لا يعبأ به شيئا، فظلم العبد نفسه بينه وبين الله من صوم يوم تركه، أو صلاة، فإن الله لا يغفر ذلك، ويتجاوز إن شاء، وأما الديوان الذي لا يترك الله منه شيئا فظلم العباد بعضهم بعضا القصاص لا محالة».

<<  <  ج: ص:  >  >>