تلاحم آياتها، ونحب هنا أن نشير إلى الصلة بين مقدمتها وبين المجموعة الأخيرة:
بدأت الفقرة بقوله تعالى: وَأَقْسَمُوا بِاللَّهِ جَهْدَ أَيْمانِهِمْ لَئِنْ جاءَتْهُمْ آيَةٌ لَيُؤْمِنُنَّ بِها. ونلاحظ أنّه في المجموعة الأخيرة قد جاء قوله تعالى: وَما كانَ رَبُّكَ لِيُهْلِكَ الْقُرى بِظُلْمٍ وَأَهْلُها مُصْلِحُونَ مما يفهم منه أن الله لا يعذّب حتى تقوم الحجة؛ وإذ كان هؤلاء الكافرون يستحقون العذاب، فإن الحجة عليهم قائمة، وبالتالي فإن اقتراحهم الآيات لا محلّ له، وقبل هذه الآية جاء قوله تعالى: يا مَعْشَرَ الْجِنِّ وَالْإِنْسِ أَلَمْ يَأْتِكُمْ رُسُلٌ مِنْكُمْ يَقُصُّونَ عَلَيْكُمْ آياتِي وَيُنْذِرُونَكُمْ لِقاءَ يَوْمِكُمْ هذا .. ولذلك صلته بمقدمة الفقرة، فإذا تذكرنا ما مرّ معنا من قبل حول السياق أدركنا شدة التلاحم بين آيات الفقرة.
تذكير ببعض معاني الفقرة: إن من جملة ما رأيناه في الفقرة أن علّة الضلال والكفر ليست قلة الآيات، بل سبب ذلك الطغيان، والافتراء على الله، والكفر بالآخرة، والعمل السيئ، وفي الفقرة بيان أن أكثرية أهل الأرض ضالة، وأن الحكم العادل والصادق هو حكم الله في كتابه، وفيها بيان أن الالتزام بشريعة الله هو مقتضى الإيمان، وأن الانحراف عن شريعته شرك، وأن الكفر موت، والإيمان حياة، وأن الله هو الأعلم حيث يضع رسالته، وأن أكابر المجرمين يقفون ضد الرسل، وفيها بيان علامة من يريد الله هدايته، ومن يريد إضلاله، وأن الهدى هداه وفيها بيان سنة الله في الإهلاك الدنيوي والأخروي، وفيها بيان لمظاهر من قدرة الله فيها تحد لمن لا يتّبعون شريعة الله، وكل ذلك يأتي ضمن نسق محاورة الكفر وأهله، والرد على أهله، وتبيان مقتضيات الإيمان بالله، وذلك محور سورة الأنعام كما رأينا، ولننتقل إلى الفقرة الثالثة والأخيرة في المقطع الأول، من القسم الثاني من سورة الأنعام:
[بين يدي الفقرة الثالثة]
بدأ القسم الثاني بذكر مظاهر تدل على قدرة الله، وعلى عناية الله بالإنسان، ثمّ جاءت الفقرة الأولى تحدثنا عن شرك المشركين، وفي المقدمة والفقرة تعجيب من شرك المشركين أفبعد كل الآيات التي تدلّ على الله، أفبعد كلّ ما صنع الله للإنسان، يشرك به المشركون وسارت الفقرة الأولى في سياقها. ثمّ جاءت الفقرة الثانية ورأينا الصّلة بينها وبين ما قبلها، فما الصلة بينها وبين مقدمة المقطع؟ لقد جاء في مقدمة المقطع: