للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

عن عبادة الأوثان ووصفها بأنها لا تنفع ولا تضر، أن الله هو الضار والنافع، الذي إن أصابك بضر لم يقدر على كشفه إلا هو وحده دون كل أحد، فكيف بالجماد الذي لا شعور به؟ وكذا إن أرادك بخير لم يرد أحد ما يريده بك من الفضل والإحسان، فكيف بالأوثان؟ وهو الحقيق إذا بأن توجه إليه العبادة دونها. وإنما ذكر المس في أحدهما والإرادة في الآخر كأنه أراد أن يذكر الأمرين الإرادة والإصابة في كل واحد من الضر والخير، فأوجز الكلام ليدل بما ذكر على ما ترك، على أنه قد ذكر الإصابة بالخير في قوله يُصِيبُ بِهِ مَنْ يَشاءُ مِنْ عِبادِهِ ا. هـ.

ولننتقل إلى الفقرة الثانية:

[الفقرة الثانية]

قُلْ يا أَيُّهَا النَّاسُ قَدْ جاءَكُمُ الْحَقُّ أي القرآن مِنْ رَبِّكُمْ الخالق الذي بيده الضر والنفع فَمَنِ اهْتَدى أي فمن اختار الهدى واتبع الحق فَإِنَّما يَهْتَدِي لِنَفْسِهِ لأن ثواب اهتدائه إليه، فما نفع باختياره الهدى إلا نفسه وَمَنْ ضَلَّ فَإِنَّما يَضِلُّ عَلَيْها أي ومن آثر الضلال فما ضر إلا نفسه، لأن وبال ضلاله عليها وَما أَنَا عَلَيْكُمْ بِوَكِيلٍ أي بحفيظ موكول إلي أمركم فأجبركم على الهدى، أو وما أنا موكل بكم حتى تكونوا مؤمنين، أي لست مسئولا عن إيمانكم، وإنما أنا نذير لكم، والهداية على الله. وبعد أن قررت الآية أن هذا القرآن حق، وأن الهداية باتباعه،

تأتي الآية الأخيرة لتأمر رسول الله صلى الله عليه وسلم والمؤمنين المقتدين به باتباع القرآن، والصبر على ذلك وَاتَّبِعْ ما يُوحى إِلَيْكَ من ربك أي تمسك بما أنزل الله عليك، وأوحاه إليك وَاصْبِرْ على تكذيبهم وإيذائهم، واصبر على القيام بأمر الله، واصبر على مخالفة من خالفك في ذات الله حَتَّى يَحْكُمَ اللَّهُ لك بالنصر والغلبة، أي حتى يفتح الله بينك وبينهم وَهُوَ خَيْرُ الْحاكِمِينَ أي خير الفاتحين بعدله وحكمته، أو خير الفاصلين لأنه المطلع على السرائر، فلا يحتاج إلى بينة وشهود، وقد فعل رسول الله صلى الله عليه وسلم ما أمر به، ووفى الله بوعده.

وهكذا بينت هذه الفقرة ضرورة الاهتداء بكتاب الله، وبينت احتياج ذلك للصبر، وبينت أن العاقبة في الدنيا والآخرة لأهل الهداية والاتباع والصبر وبهذا انتهت السورة.

<<  <  ج: ص:  >  >>