للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

[تفسير المجموعة الثانية من المقطع الثالث]

وَما أَرْسَلْنا فِي قَرْيَةٍ مِنْ نَذِيرٍ أي من نبي إِلَّا قالَ مُتْرَفُوها أي متنعموها ورؤساؤها إِنَّا بِما أُرْسِلْتُمْ بِهِ كافِرُونَ هذه تسلية للنبي صلّى الله عليه وسلم وبيان لواقع وهو أنه لم يرسل قط إلى أهل قرية رسول إلا قالوا له مثل ما قال كافرو هذه الأمة لرسولها، وقد دلّت هذه الآية على أن المترفين هم الذين يحملون كبر الصدّ عن سبيل الله، كما دلّت على أن ردّ دعوة الرسل، ورفض الإيمان باليوم الآخر، سببه الترف والبطر، وليس سببه شبهة أو حجة، فبدلا من أن تكون النعمة عند هؤلاء سبب شكر، كانت سببا للكفر، وقد عرّف ابن كثير المترفين بقوله: هم أولو النّعمة والحشمة، والثروة والرئاسة. وقال قتادة: هم جبابرتهم وقادتهم، ورءوسهم في الشر.

ثم قال تعالى إخبارا عن المترفين المكذبين وَقالُوا نَحْنُ أَكْثَرُ أَمْوالًا وَأَوْلاداً أي من المؤمنين وَما نَحْنُ بِمُعَذَّبِينَ أرادوا أنهم أكرم على الله من أن يعذبهم، نظرا إلى أحوالهم في الدنيا، وظنوا أنهم لو لم يكرموا على الله لما رزقهم الله، ولولا أن المؤمنين هانوا عليه لما حرمهم، قال ابن كثير: (افتخروا بكثرة الأموال والأولاد، واعتقدوا أن ذلك دليل على محبة الله تعالى لهم، واعتنائه بهم، وأنه ما كان ليعطيهم هذا في الدنيا ثم يعذبهم في الآخرة، وهيهات لهم ذلك).

وقد أبطل الله ظنهم بأن بيّن أنّ الرزق فضل من الله، يقسمه كيف يشاء، فربّما وسّع على العاصي استدراجا، وضيّق على المطيع امتحانا، وابتلاء، وربما وسّع على المطيع استخراجا لشكره، وضيّق على العاصي استرجاعا له عما هو فيه، وربّما وسّع عليهما أو ضيق عليهما لحكمة، فلا يقاس عليه أمر الثواب في الآخرة، وذلك قوله تعالى: قُلْ إِنَّ رَبِّي يَبْسُطُ الرِّزْقَ أي يوسّعه لِمَنْ يَشاءُ وَيَقْدِرُ أي ويضيق، قال ابن كثير:

(أي يعطي المال لمن يحب ومن لا يحب، فيفقر من يشاء، ويغني من يشاء، وله الحكمة التامّة البالغة، والحجة القاطعة الدامغة) وَلكِنَّ أَكْثَرَ النَّاسِ لا يَعْلَمُونَ ذلك فيظنون التقتير علامة سخط، ويظنون البسط علامة محبة، وليس الأمر كذلك، ومن ثمّ قال تعالى:

وَما أَمْوالُكُمْ وَلا أَوْلادُكُمْ بِالَّتِي تُقَرِّبُكُمْ عِنْدَنا زُلْفى أي قربة قال ابن كثير: (أي ليست هذه دليلا على محبتنا لكم، ولا اعتنائنا بكم) إِلَّا مَنْ آمَنَ وَعَمِلَ صالِحاً أي إنّما يقربكم عندنا زلفى الإيمان والعمل الصالح.

قال النسفي: (يعني أن الأموال لا تقرّب أحدا إلا المؤمن الصالح، الذي ينفقها في سبيل الله، والأولاد لا تقرّب أحدا إلّا من علّمهم الخير، وفقّههم في الدين،

<<  <  ج: ص:  >  >>