إن الوجدان ليرتعش وهو يستشعر الحياة تدب في كل ما حوله مما يراه ومما لا يراه، وكلما همت يده أن تلمس شيئا، وكلما همت رجله أن تطأ شيئا سمعه يسبح لله، وينبض بالحياة.
وَإِنْ مِنْ شَيْءٍ إِلَّا يُسَبِّحُ بِحَمْدِهِ يسبح بطريقته ولغته وَلكِنْ لا تَفْقَهُونَ تَسْبِيحَهُمْ لا تفقهونه لأنكم محجوبون بصفاقة الطين، ولأنكم لم تتسمعوا بقلوبكم، ولم توجهوها إلى أسرار الوجود الخفية، وإلى النواميس التي تنجذب إليها كل ذرة في هذا الكون الكبير، وتتوجه بها إلى الله خالق النواميس، ومدبّر هذا الكون الكبير.
حين تشف الروح وتصفو فتتسمّع لكل متحرك أو ساكن وهو ينبض بالروح، ويتوجه بالتسبيح، فإنها تتهيأ للاتصال بالملإ الأعلى، وتدرك من أسرار هذا الوجود ما لا يدركه الغافلون، الذين تحول صفاقة الطين بين قلوبهم وبين الحياة الخفية السارية في ضمير هذا الوجود، النابضة في كل متحرك وساكن، وفي كل شئ في هذا
الوجود.
[فوائد]
١ - [حديث بمناسبة قوله تعالى تُسَبِّحُ لَهُ السَّماواتُ السَّبْعُ]
بمناسبة قوله تعالى تُسَبِّحُ لَهُ السَّماواتُ السَّبْعُ يذكر ابن كثير الحديث الذي رواه الطبراني عن عبد الرحمن بن قرظ أن رسول الله صلّى الله عليه وسلّم ليلة أسري به إلى المسجد الأقصى، كان بين المقام وزمزم، جبريل عن يمينه، ومكائيل عن يساره، فطارا به حتى بلغ السموات السبع فلما رجع قال:«سمعت تسبيحا في السموات العلى مع تسبيح كثير: سبحت السموات العلى، من ذي المهابة مشفقات لذي العلو بما علا، سبحان العلي الأعلى سبحانه وتعالى».
٢ - [اتجاهان في تفسير آية وَإِنْ مِنْ شَيْءٍ إِلَّا يُسَبِّحُ بِحَمْدِهِ]
في قوله تعالى وَإِنْ مِنْ شَيْءٍ إِلَّا يُسَبِّحُ بِحَمْدِهِ اتجاهان رئيسيان: الاتجاه الأول يقول: إن تسبيحها بلسان الحال؛ إذ تدل بافتقارها وما فيها على ذات منزهة مقدسة، والاتجاه الثاني يقول: إن تسبيحها بلسان المقال، ولكن لا نسمعها. وفي هذا الاتجاه نفسه توجهان. التوجه الأول يقول: التسبيح مختص بكل ذي روح. والتوجه الثاني: لا يقيد ذلك، وقد رجح ابن كثير أن التسبيح بلسان المقال. ونقل ما يدل عليه وذكر الاتجاهين فيه مرجحا العموم. وهذا كلامه قال: