ينفق إلا تقية من المسلمين، ورياء لا لوجه الله، وابتغاء المثوبة عنده وَيَتَرَبَّصُ بِكُمُ الدَّوائِرَ أي ينتظر دوائر الزمان، وتبدل الأحوال، بدور الأيام، لتذهب غلبتكم عليهم، فيتملصوا من إعطاء الزكاة وغيرها. وقد ظهر مصداق ذلك بعد وفاة رسول الله صلى الله عليه وسلم مباشرة، ففي الآية معجزة عَلَيْهِمْ دائِرَةُ السَّوْءِ أي عليهم تدور المصائب والحروب التي يتوقعون وقوعها في المسلمين وَاللَّهُ سَمِيعٌ لما يقولونه إذا توجهت عليهم الصدقة عَلِيمٌ بما يضمرونه غير أنه إذا كان الأعراب في الجملة كذلك، وبعضهم كما وصف، فإن منهم صالحين
وَمِنَ الْأَعْرابِ مَنْ يُؤْمِنُ بِاللَّهِ وَالْيَوْمِ الْآخِرِ وَيَتَّخِذُ ما يُنْفِقُ في الجهاد والصدقات قُرُباتٍ أي أسبابا للقربة عِنْدَ اللَّهِ وَصَلَواتِ الرَّسُولِ أي دعواته، لأنه عليه الصلاة والسلام كان يدعو للمتصدقين بالخير والبركة أَلا إِنَّها أي النفقة أو صلوات الرسول. قُرْبَةٌ لَهُمْ هذه شهادة من الله للمتصدق بصحة ما اعتقد من كون نفقته قربات وصلوات، كما أنها تصديق لرجائه سَيُدْخِلُهُمُ اللَّهُ فِي رَحْمَتِهِ أي جنته. قال النسفي: وما أدل هذا الكلام على رضا الله عن المتصدقين، وأن الصدقة منه بمكان إذا خلصت النية من صاحبها إِنَّ اللَّهَ غَفُورٌ يستر عيب المخل رَحِيمٌ يقبل جهد المقل، وكما ختمت المجموعة السابقة بذكر الرسول، والمؤمنين الصادقين، وما أعد لهم، فإن هذه المجموعة كذلك تنتهي بهذه الآية
وَالسَّابِقُونَ الْأَوَّلُونَ مِنَ الْمُهاجِرِينَ هم إما من صلى إلى القبلتين أو الذين شهدوا بدرا أو بيعة الرضوان وَالْأَنْصارِ أي والسابقون الأولون من الأنصار وهم أهل بيعة العقبة الأولى والثانية وكان الأولون سبعة وأهل الثانية سبعين وَالَّذِينَ اتَّبَعُوهُمْ بِإِحْسانٍ دخل في ذلك من اتبعهم بالإيمان والطاعة إلى يوم القيامة رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمْ بأعمالهم الحسنة وَرَضُوا عَنْهُ بما أفاض عليهم من نعمته الدينية والدنيوية وَأَعَدَّ لَهُمْ مع الرضا جَنَّاتٍ تَجْرِي تَحْتَهَا الْأَنْهارُ خالِدِينَ فِيها أَبَداً ذلِكَ الْفَوْزُ الْعَظِيمُ وهكذا زادتنا هذه المجموعة والتي قبلها معرفة في موضوع النفاق من خلال المواقف من قضية الجهاد.
[الفوائد]
١ - في سبب نزول قوله تعالى: وَجاءَ الْمُعَذِّرُونَ مِنَ الْأَعْرابِ .. قال ابن إسحاق: وبلغني أنهم نفر من بني غفار، خفاف بن إيماء بن رحضة ..
٢ - بمناسبة قوله تعالى ما عَلَى الْمُحْسِنِينَ مِنْ سَبِيلٍ روى ابن كثير هذه القصة: