وَلَقَدْ نادانا نُوحٌ أي دعانا فَلَنِعْمَ الْمُجِيبُونَ أي فو الله لنعم المجيبون نحن، والجمع دليل العظمة والكبرياء والمعنى: أنا أجبناه أحسن الإجابة، ونصرناه على أعدائه، وانتقمنا منهم بأبلغ ما يكون
وَنَجَّيْناهُ وَأَهْلَهُ أي ومن آمن به من الناس ومن أولاده مِنَ الْكَرْبِ الْعَظِيمِ وهو الغرق أو التكذيب والأذى
وَجَعَلْنا ذُرِّيَّتَهُ هُمُ الْباقِينَ من قومه أو من الناس كافة
وَتَرَكْنا عَلَيْهِ فِي الْآخِرِينَ من الأمم هذه الكلمة وهي
سَلامٌ عَلى نُوحٍ يعني يسلّمون عليه تسليما، ويدعون له فِي الْعالَمِينَ أي ثبّت هذه التحيّة فيهم جميعا، ولا يخلو أحد منهم منها، وكأنه قيل ثبّت الله التّسليم على نوح وأدامه في الملائكة والثقلين يسلّمون عليه من آخرهم،
ثم علّل مجازاته بتلك التكرمة السنيّة بأنه كان محسنا إِنَّا كَذلِكَ نَجْزِي الْمُحْسِنِينَ أي هكذا نجزي من أحسن من العباد في طاعة الله تعالى، نجعل له لسان صدق يذكر به بعده بحسب مرتبته في ذلك قال النّسفي:(ثمّ علّل كونه محسنا بأنّه كان عبدا مؤمنا ليريك جلالة محل الإيمان، وأنه القصارى من صفات المدح والتّعظيم)
إِنَّهُ مِنْ عِبادِنَا الْمُؤْمِنِينَ أي المصدّقين الموحّدين الموقنين
ثُمَّ أَغْرَقْنَا الْآخَرِينَ أي الكافرين أهلكناهم فلم تبق منهم عين تطرف، ولا ذكر ولا أثر، ولا يعرفون إلا بهذه الصفة القبيحة.
[كلمة في السياق]
١ - قلنا: إنّ المقطع الأول من سورة الصافات ينقسم إلى مجموعتين: الأولى للتقرير، والثانية للتمثيل، وقد جعل الله بين ذلك جسرا انتقل به السياق من التقرير إلى التمثيل، وهو قوله تعالى: وَلَقَدْ ضَلَّ قَبْلَهُمْ أَكْثَرُ الْأَوَّلِينَ* وَلَقَدْ أَرْسَلْنا فِيهِمْ مُنْذِرِينَ* فَانْظُرْ كَيْفَ كانَ عاقِبَةُ الْمُنْذَرِينَ* إِلَّا عِبادَ اللَّهِ الْمُخْلَصِينَ ثم بدأ التمثيل بقوله تعالى وَلَقَدْ نادانا نُوحٌ ... قال النسفي:(لما ذكر إرسال المنذرين في الأمم الخالية، وسوء عاقبة المنذرين، أتبع ذلك ذكر نوح عليه السلام، ودعاءه إياه حين أيس من قومه) وقال ابن كثير: (لما ذكر تعالى عن أكثر الأولين أنهم ضلوا عن سبيل النجاة، شرع يبين ذلك مفصّلا؛ فذكر نوحا عليه الصلاة والسلام، وما لقي من