وَلَقَدْ صَرَّفْنا لِلنَّاسِ فِي هذَا الْقُرْآنِ مِنْ كُلِّ مَثَلٍ فَأَبى أَكْثَرُ النَّاسِ إِلَّا كُفُوراً وتذكرنا آخر آية مرت فَأَبَى الظَّالِمُونَ إِلَّا كُفُوراً علمنا أن الذين أبوا الاهتداء هم الظالمون، وأنهم أكثر الناس، ورأينا أن المقطع مرتبطة نهاياته ببداياته. والآن ولم يبق عندنا من هذا المقطع إلا آية.
فلنتذكر معانيه:
هذا القرآن فيه ما تقوم به الحجة، ومع ذلك فإن أكثر الناس يظلمون ويكفرون، ويظهر ظلمهم برفضهم الحجة، وباقتراحاتهم المتعنّتة التي ذكر الله نموذجا عنها، وأمر رسوله صلّى الله عليه وسلّم أن يردّ عليها:
بإعلانه أنّه بشر رسول، إلا أن الله عزّ وجل ذكر أن هذا الإعلان لا ينفعهم، مع أن في هذا الإعلان وحده حجة، وسبب عدم انتفاعهم فيه أنهم- حتى في موضوع بشرية الرسول صلّى الله عليه وسلّم- متعنتون، ويعتبرون بشرية الرسول صلّى الله عليه وسلّم دليلا على بطلان الرسالة، مع أنهم في هذا غير منطقيين مع عقولهم وغير حكماء، وأمام هذا الوضع أمر الله رسوله صلّى الله عليه وسلّم أن يعلن كفاية شهادة الله على رسالته، وأن الهدى هدى الله، وأن الإضلال إضلاله، وإذ كان هذا الإعلان كذلك لا ينفعهم، ذكّرهم بالمصير الذي أمامهم، الحشر على الوجوه وهم في حالة العمى والبكم والصمم، ثم المقر النار بسبب كفرهم بالآيات- أي بالرسول الذي أنزل عليه الآيات- وبسبب كفرهم باليوم الآخر، ثم أقام عليهم الحجة باليوم الآخر، ومع هذا كله يقرر الله أن الظالمين يأبون إلا الكفور والجحود لنعم الله. والآن تأتي آية أخيرة بها يأمر الله رسوله صلّى الله عليه وسلّم أن يقول لهم قولا فلنره، ولنر محله في إقامة الحجة وحكمة وروده في هذا السياق:
قُلْ لَوْ أَنْتُمْ تَمْلِكُونَ خَزائِنَ رَحْمَةِ رَبِّي أي رزقه وسائر نعمه على خلقه إِذاً لَأَمْسَكْتُمْ خَشْيَةَ الْإِنْفاقِ أي لبخلتم خشية أن يفنيه الإنفاق وَكانَ الْإِنْسانُ قَتُوراً أي بخيلا. والمعنى: قل يا محمد: لو أنكم أيها الناس تملكون التصرف في خزائن الله لأمسكتم خشية أن تذهبوها، مع أنها لا تفرغ ولا تنفد أبدا، ولكن لأن التقتير من طباعكم وسجاياكم، فإن من طبيعتكم البخل والمنع.
هذه آخر آية في المقطع، فما محلها في إقامة الحجة وما حكمة مجيئها هنا؟
١ - الآية أضافت إلى صفة الكفر والظلم صفة أخرى للإنسان وهي البخل الذي هو في