للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

وَبَرَزُوا لِلَّهِ جَمِيعاً أي برزت الخلائق كلها برها وفاجرها لله الواحد القهار، أي اجتمعوا له في براز من الأرض، وهو المكان الذي ليس فيه شئ يستر أحدا، ومعنى برزوهم لله- والله تعالى لا يتوارى عنه شئ يبرز له-: أنهم كانوا يستترون من العيون عند ارتكاب الفواحش ويظنون أن ذلك خاف على الله، فإذا كان يوم القيامة انكشفوا لله عند أنفسهم، وعلموا أن الله لا تخفى عليه خافية، وأخرجوا من قبورهم فبرزوا لحساب الله وحكمه فَقالَ الضُّعَفاءُ أي في الرأي وهم السفلة والأتباع لِلَّذِينَ اسْتَكْبَرُوا عن عبادة الله وحده لا شريك له، وعن موافقة الرسل وهم السادة والرؤساء الذين استصغروهم وصدوهم عن الاستماع إلى أنبيائهم واتباعهم إِنَّا كُنَّا لَكُمْ تَبَعاً أي تابعين، فمهما أمرتمونا ائتمرنا وفعلنا فَهَلْ أَنْتُمْ مُغْنُونَ عَنَّا مِنْ عَذابِ اللَّهِ مِنْ شَيْءٍ أي فهل تقدرون على دفع شئ مما نحن فيه؟، قالُوا أي فقالت القادة لهم لَوْ هَدانَا اللَّهُ لَهَدَيْناكُمْ وليس هذا جوابا مباشرا ولكن لما كان قول الضعفاء، توبيخا لهم وعتابا على استغوائهم لأنهم علموا أنهم لا يقدرون على الإغناء عنهم قالوا لهم مجيبين معتذرين لَوْ هَدانَا اللَّهُ لَهَدَيْناكُمْ أي لو هدانا الله إلى الإيمان في الدنيا لهديناكم إليه، أو لو هدانا الله طريق النجاة من العذاب لهديناكم أي: لاغنينا عنكم وسلكنا بكم طريق النجاة كما سلكنا بكم طريق الهلكة سَواءٌ عَلَيْنا أَجَزِعْنا أَمْ صَبَرْنا أي مستويان علينا الجزع والصبر، لا هذا يفيدنا ولا هذا. قال ابن كثير:

(والظاهر أن هذه المراجعة في النار بعد دخولهم إليها) ما لَنا مِنْ مَحِيصٍ أي من منجى ومهرب جزعنا أم صبرنا، وهل هذا من كلام المستكبرين أو من كلام الجميع؟

قولان للمفسرين، والظاهر أنه من كلام المستكبرين،

ثم أخبر تعالى عما خطب به إبليس أمام أتباعه بعد ما قضى الله بين عباده فأدخل المؤمنين الجنات، وأسكن الكافرين الدركات، فقام فيهم إبليس- لعنه الله- يومئذ خطيبا ليزيدهم حزنا إلى حزنهم وغبنا إلى غبنهم وحسرة إلى حسرتهم، قال تعالى: وَقالَ الشَّيْطانُ لَمَّا قُضِيَ الْأَمْرُ أي لما حكم بالجنة والنار لأهليهما، ودخل أهل الجنة الجنة وأهل النار النار إِنَّ اللَّهَ وَعَدَكُمْ وَعْدَ الْحَقِّ وهو البعث والجزاء على الأعمال على ألسنة رسله الذين جعل في اتباعهم النجاة والسلامة، وعدا حقا وفى الله به وَوَعَدْتُكُمْ أي بأن لا بعث ولا حساب ولا جزاء فَأَخْلَفْتُكُمْ أي كذبتكم وَما كانَ لِي عَلَيْكُمْ مِنْ سُلْطانٍ أي من تسلط واقتدار ولا دليل ولا حجة إِلَّا أَنْ دَعَوْتُكُمْ أي لكني دعوتكم إلى الضلالة بوسوستي وتزييني فَاسْتَجَبْتُمْ لِي أي فأسرعتم إلى جانبي أي بمجرد الدعوة، هذا

<<  <  ج: ص:  >  >>