ويصفها، ويوجه المؤمنين إلى كمالهم في التصور. فبعد المقطع السابق الذي صحح التصور حول الموت والقتل، وأنه لا يكون إلا بأجل، جاءت الفقرة الأولى من هذا المقطع تصحح التصور حول مآل الشهداء في سبيل الله. ثم تأتي هذه الفقرة فتصحح تصورات المؤمنين حول الإملاء للكافرين، وامتحان المؤمنين، وكل ذلك يعرض من خلال أخذ الدروس مما حدث يوم أحد، وما بعده، وما قبله. فمن خلال الحياة العملية نأخذ تفصيلات في قضية الإيمان والكفر، وفي سنن الله- عزّ وجل- في أهل الإيمان
وأهل الكفر، وفي سنن الله في الصراع الذي يجري بين أهل الإيمان وأهل الكفر.
والخطاب في هذه القراءة وإن كان للكافرين إلا أنه تصحيح لتصور المؤمنين، لأن الكافرين لا يستفيدون من الخطاب، ولنلاحظ أن قراءة حمزة بالتاء.
[المعنى العام]
ينهى الله عزّ وجل- الكافرين أن يتصوروا أن إمهالهم والإملاء لهم، خير لهم، بل هو شر لهم، لأنهم بهذا الإملاء يزدادون إثما، فيستحقون العذاب الأكثر، وإذ بين الله- عزّ وجل- أن الإملاء ليس علامة على إرادة الخير بصاحبه، يبين في الآية الثانية أن الامتحان لا بد منه لأهل الإيمان، ليظهر فيه الولي، ويفضح فيه العدو، وليعرف به المؤمن الصابر، من المنافق الفاجر، والأمر كله لله؛ فهو الذي يعلم الغيب كله، ومن ثم يعلم ما فيه الصلاح، وما فيه الفساد، وما هو خير للمؤمنين. فثقوا به، وتوكلوا عليه، وسلموا أموركم إليه. وإذا أطلع على شئ من الغيب، فإنما يطلع رسله، وإذ كان رسول الله صلى الله عليه وسلم بين أظهركم، فذلك أحرى وأدعى للتوكل ورؤية الحكمة. ثم بشرهم أنهم في حالة إيمانهم وتقواهم سيعطيهم أجرا عظيما.
ففي هاتين الآيتين إذن تصحيح لمفهوم الإملاء، والابتلاء، وتبيان للحكمة في ذلك وواجب العبد المؤمن هو الإيمان والتقوى. فهذان فرضا العمر، وهاتان الآيتان واردتان في سياق الكلام عن غزوة أحد ودروسها، لذلك قال مجاهد في قوله تعالى:
ما كانَ اللَّهُ لِيَذَرَ الْمُؤْمِنِينَ ... قال: ميز بينهم يوم أحد. وقال ابن كثير في شرح التمييز في الآية: يعني بذلك يوم أحد الذي امتحن الله به المؤمنين؛ فظهر به إيمانهم وصبرهم، وجلدهم، وثباتهم، وطاعتهم لله ولرسوله صلى الله عليه وسلم، وهتك به ستار المنافقين، فظهرت مخالفتهم، ونكولهم عن الجهاد، وخيانتهم لله ولرسوله صلى الله عليه وسلم ولكن كما قلنا فإن خصوص السبب لا يمنع عموم اللفظ، فالآية في كل امتحان. ومن ثم قال