يجعلهم يتذكرون ما كانوا عنه غافلين، فمهما وسوس الشيطان للمتقين فإن ذلك يذوب أمام رعاية الله لهم. فبينما المشركون في عماهم يقترحون الآيات استهزاء وكبرا، فإن المتقين على بصيرة من نور الله، وهذا القرآن بصائر للناس وهدى ورحمة للمؤمنين، فالمؤمنون على بصيرة في قلوبهم من الله، وعلى بصيرة من ربهم بهذا القرآن، ومن اجتمعت له بصيرتان فأنى يضل. أما المشركون فلا بصيرة لهم، وقياما بالشكر على نعمة الله بهذا القرآن فإن الله يأمر عباده أن يستمعوا إلى كتابه إذا تلي عليهم وهم في صلاتهم من أجل أن تصيبهم رحمة ربهم، ثم يأمر الله رسوله والمؤمنين أن يذكروا الله ربهم في أول نهارهم وآخره، مع الخشوع والإخلاص بالإسرار بذلك، ونهاهم أن يكونوا من الغافلين، وذكرهم بالملائكة في دوام عبادتهم لله، وخضوعهم له، وتسبيحهم له، وسجودهم للاقتداء بهم في هذا المقام. وبهذا المعنى ينتهي القسم وتنتهى السورة.
هذه هي المعاني العامة للقسم وفيها:
توضيح لقضية الهدى والضلال، ومناقشة للضالين، ومناقشة أهل الشرك الذي هو البداية لكل ضلال، وتحديد معالم البداية للهداية، من معرفة لله، وتفكر في شأن رسوله، ونظر في خلقه، وشكر له لا يخالطه شرك، ومعرفة، بسخافة الشرك، وتخلق بمكارم الأخلاق، واستعاذة من الشيطان، وأدب مع القرآن. وذكر دائم للرحمن، وتخلق بأخلاق الملائكة. وما بين بداية السورة ونهايتها ترابط. فالسورة تبدأ بالتحذير من الشيطان، وتنتهي بالمعاني الأولية التي ينبغي أن يراعيها أو يرفضها المسلم، كما تحدد معالم الطريق للسير إلى الله، وتحدد معالم أدب الدعاة، بهذا كانت السورة كلها تفصيلا لقوله تعالى: قُلْنَا اهْبِطُوا مِنْها جَمِيعاً فَإِمَّا يَأْتِيَنَّكُمْ مِنِّي هُدىً فَمَنْ تَبِعَ هُدايَ فَلا خَوْفٌ عَلَيْهِمْ وَلا هُمْ يَحْزَنُونَ وَالَّذِينَ كَفَرُوا وَكَذَّبُوا بِآياتِنا أُولئِكَ أَصْحابُ النَّارِ هُمْ فِيها خالِدُونَ ومن ثم فإن سالكي الطريق إلى الله عليهم أن يتأملوا هذه السورة ويعملوا بما فيها، وأن يرجوا، وأن يحذروا، وأن يتحققوا.
[المعنى الحرفي]
وَإِذْ أَخَذَ رَبُّكَ مِنْ بَنِي آدَمَ مِنْ ظُهُورِهِمْ ذُرِّيَّتَهُمْ أي وإذا أخذ ربك من ظهور بني آدم ذريتهم، ومعني أخذ ذريتهم من ظهورهم: إخراجهم من أصلاب آبائهم كما سنرى وَأَشْهَدَهُمْ عَلى أَنْفُسِهِمْ أَلَسْتُ بِرَبِّكُمْ قالُوا بَلى شَهِدْنا للمفسرين في تفسير هذا النص اتجاهان: