وكما لفت نظرهم إلى التفكر في ملكوت السموات والأرض، مما يوصل إلى التوحيد فكذلك يلفت نظرهم مرة أخرى إلى ما يوصل إلى التوحيد، وكيف أن ما يوصل إلى التوحيد وصل ببعض الناس إلى الشرك. فذكر أنه هو الذي خلق جميع الناس من آدم، وأنه خلق منه زوجه حواء. وأنه خلق منهما كل الأزواج. وأن هؤلاء الأزواج إذا مارسوا ما خلقه الله فيهم وما هيأهم له مما فيه بقاء الجنس أنهم في شوقهم إلى الولد، وفي حالة رهبهم من مسخه أو حظره، كانوا يطلبون من الله ويعدون الله من أنفسهم الشكر، فإذا ما أعطاهما الله ما أرادا قابلاه بالشرك. وتعالى الله أن يكون له شريك في ملكه وسلطانه وفي ألوهيته وربوبيته.
ومن خلال ما مر ويمر نلاحظ أن هذا القسم يعرض قضية الضلال والهداية بلغة العزة وجبروت الجلال، وهذا مظهر من مظاهر الإعجاز في القرآن، أنك تشعر أن هذا القرآن يعرض ما يعرض ويظهر لك في كل ما يعرض آثار عزة الذات العلية القاهرة، فلا تحس فيه آثار الضعف البشري لا في الدفاع ولا في الهجوم.
ولنعد إلى عرض معاني القسم: فبعد أن بين الله عزّ وجل أن الإنسان يشرك مع وجود ما يستدعي منه التوحيد، يناقش هؤلاء المشركين وينكر عليهم أن يشركوا معه غيره من مخلوقاته المربوبة له، المصنوعة بقدرته، التي لا تملك شيئا من الأمر، ولا تضر ولا تنفع ولا تبصر ولا تنتصر لعابديها، بل هي جماد لا تتحرك ولا تسمع ولا تبصر.
وعابدوها أكمل منها بسمعهم وبصرهم وبطشهم، سواء في ذلك الأصنام آلهة الوثنيين القدامى، وكثير من المعاصرين، أو الطبيعة كلها آلهة الملحدين، ثم يأمر الله رسوله صلى الله عليه وسلم أن يتحدى هؤلاء المشركين بأن تستطيع آلهتهم أن تكيده شيئا، ثم أمره أن يعلن أن الله الذي أنزل عليه الكتاب هو يتولاه، ويتولى الصالحين، ومن تولاه الله فإن كل الخليقة لا تستطيع ضره إلا إذا شاء الله شيئا من ذلك؛ لحكمة هو يعلمها، ومن كان هذا شأنه في الغلبة والقهر والنصر فهو الإله الحق، لا هذه الآلهة المزعومة التي لا تستطيع نصرا لأنفسها ولا لعابديها، ولا تعي ولا تسمع ولا تبصر، وبعد هذا النقاش للمشركين، وإقامة الحجة عليهم يأمر الله رسوله صلى الله عليه وسلم وأتباعه أربعة أوامر: الأمر الأول بالعفو، والثاني فعل المعروف، والأمر الثالث الإعراض عن الجاهلين، والأمر الرابع الاستعاذة من الشيطان الرجيم، وذكر الشيطان في آخر السورة تذكير ببدايتها. ثم بين الله تعالى أنه من رحمته بعباده المؤمنين المتقين، أنه إذا وسوس لهم الشيطان شيئا فإنه