خلق من شئ فيهما، ليتدبروا ذلك ويعتبروا به، ويعلموا أن ذلك لمن لا نظير له ولا شبيه. ومن فعله لا ينبغي أن تكون العبادة والدين الخالص إلا له. فيجب أن يؤمنوا به، ويصدقوا رسوله، وينيبوا إلى طاعته، ويخلعوا الأنداد والأوثان. ويعترفوا بالله وآياته وحاكميته، ويحذروا أن تكون آجالهم قد اقتربت، فيهلكوا على كفرهم، ويصيروا إلى عذاب الله، وأليم عقابه، فإذا لم يهدهم التفكر والنظر إلى هذا وهذا، ولم يهدهم هذا القرآن إلى الإيمان فبأي تخويف وتحذير وترهيب بعد هذا التحذير وهذا الترهيب الذي جاءهم من عند الله يؤمنون؟ وبأي كتاب يصدقون إذا لم يصدقوا بهذا، الحديث، وهذا القرآن الذي جاءهم به محمد صلى الله عليه وسلم من عند الله؟ ولما كان من مثار العجب أن يبقى إنسان كافرا مع وضوح أن محمدا رسول الله، ومع وضوح الآيات التي تدل على الله في هذا الكون، فقد بين الله عزّ وجل أن الأمر أمره، فإن من كتب عليه الضلالة فإنه لا يهديه أحد، ولا يضل الله إلا من يستحق الضلال، فذلك الذي يتركه الله متخبطا في ظلمات الضلال، ثم بين الله لنا سخف هؤلاء إذ يتركون التفكير فيما ينبغي، ويتركون العمل فيما ينبغي، ويسألون عما لا تقدم أو تؤخر معرفته، فهم يسألون عن الساعة، عن وقت وقوعها، وهم في الأصل مكذبون، فسؤالهم في الحقيقة استبعاد لوقوعها وتكذيب بوجودها، ومع أنهم مستبعدون ومكذبون فهم يتساءلون عن محطها، وأول وقتها، يسألون رسول الله صلى الله عليه وسلم عن ذلك كأنه هو من المتكلفين لمعرفة ما لم يرد الله أن يعرفه عليه، وهنا يأمر الله رسوله صلى الله عليه وسلم أن يجيبهم جوابين: الجواب الأول: أن الساعة لا يعرف علمها أحد إلا الله، والجواب الثاني أنه لا يملك لنفسه ضرا ولا نفعا بل هو مفوض أموره كلها إلى الله، وهو تحت مشيئته، وأنه لا يعلم المستقبل ولا اطلاع له على شئ منه، إلا بما أطلعه الله عليه، وأنه لو كان يعلم الغيب لاستكثر من الخير، فإذا اشترى شيئا لا يشتري إلا ما يربح به، ولا يبيع إلا في ذروة الربح.
ولأعد للسنة المجدبة من الخصبة، ولوقت الغلاء من الرخص، ولأجتنب ما يكون من الشر قبل أن يكون واتقاه، فإذا لم يكن كذلك فذلك دليل على أنه لا يعلم الغيب. ثم أمره أن يخبر أنما هو نذير للكافرين من العذاب وبشير للمؤمنين بالجنات، وهذا الإعلان في هذا المقام دليل على أن محمدا رسول الله، وهو الذي فات الكافرين التفكر فيه للوصول إليه.
لفت نظرهم إلى التفكر في وضع رسول الله صلى الله عليه وسلم. ثم أعطاهم دليلا من خلال إعلاناته عن نفسه بما يدل على أنه رسول الله صلى الله عليه وسلم.