للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

الضلالة والسفاهة بما أجابوهم به من الكلام الصادر عن الحلم والإغضاء، وترك المقابلة بما قالوا لهم، مع علمهم بأن خصومهم أضل الناس وأسفههم، أدب حسن، وخلق عظيم، وإخبار الله عن ذلك تعليم لعباده كيف يخاطبون السفهاء وكيف يغضون عنهم ويسلبون أذيالهم على ما يكون منهم

أَوَعَجِبْتُمْ أَنْ جاءَكُمْ ذِكْرٌ مِنْ رَبِّكُمْ عَلى رَجُلٍ مِنْكُمْ لِيُنْذِرَكُمْ وَاذْكُرُوا إِذْ جَعَلَكُمْ خُلَفاءَ مِنْ بَعْدِ قَوْمِ نُوحٍ هذا يحتمل أن عادا خلفوا قوم نوح في الأرض، ويحتمل أنهم خلفوهم في مساكنهم، وهذا يفيد أن سلطان قوم عاد امتد إلى مناطق قوم نوح، مع ملاحظة أن هناك اتجاهين في كون قوم نوح هم سكان الأرض وحدهم، أو أنهم سكان منطقة محددة منها وهي مواضيع ستأتي في محلها وَزادَكُمْ فِي الْخَلْقِ بَصْطَةً أي طولا وعرضا والمعنى: زاد طولكم على الناس بسطة أي جعلكم أطول من أبناء جنسكم فَاذْكُرُوا آلاءَ اللَّهِ أي نعمه ومنته عليكم في استخلافكم وبسطة أجرامكم وما سواهما من عطاياه لَعَلَّكُمْ تُفْلِحُونَ بطاعة رسول الله فيما أنذركم به، وتذكركم نعمة الله فتشكرونه

قالُوا أَجِئْتَنا لِنَعْبُدَ اللَّهَ وَحْدَهُ وَنَذَرَ ما كانَ يَعْبُدُ آباؤُنا أنكروا واستبعدوا اختصاص الله وحده بالعبادة وترك دين الآباء في اتخاذ الأصنام شركاء معه؛ حبا لما نشئوا عليه؛ وقولهم أجئتنا يحتمل أن يكون لهود عليه السلام، مكان منعزل عن قومه يتحنث فيه كما كان يفعل رسول الله صلى الله عليه وسلم بحراء قبل المبعث، فلما أوحي إليه جاء قومه يدعوهم فَأْتِنا بِما تَعِدُنا أي من العذاب إِنْ كُنْتَ مِنَ الصَّادِقِينَ أن العذاب نازل بنا

قالَ قَدْ وَقَعَ عَلَيْكُمْ مِنْ رَبِّكُمْ رِجْسٌ وَغَضَبٌ الرجس: العذاب. والسخط: الغضب. وقوله قد وقع أي قد نزل، جعل المتوقع الذي لا بد من نزوله بمنزلة الواقع أَتُجادِلُونَنِي فِي أَسْماءٍ سَمَّيْتُمُوها أَنْتُمْ وَآباؤُكُمْ ما نَزَّلَ اللَّهُ بِها مِنْ سُلْطانٍ أي من حجة. وقوله فِي أَسْماءٍ سَمَّيْتُمُوها أي: في أشياء ما هي إلا أسماء ليس تحتها مسميات لأنكم تسمون الأصنام آلهة وهي خالية من معني الألوهية فَانْتَظِرُوا أي نزول العذاب إِنِّي مَعَكُمْ مِنَ الْمُنْتَظِرِينَ ذلك.

يقول صاحب الظلال: والتعبير المتكرر في القرآن: ما نَزَّلَ اللَّهُ بِها مِنْ سُلْطانٍ (هو تعبير موح عن حقيقة أصيلة .. إن كل كلمة أو شرع أو عرف أو تصور لم ينزله الله، خفيف الوزن، قليل الأثر، سريع الزوال .. إن الفطرة تتلقى هذا كله في استخفاف، فإذا جاءت الكلمة من الله ثقلت واستقرت ونفذت إلى الأعماق، بما فيها من سلطان الله

الذي يودعها إياه.

<<  <  ج: ص:  >  >>