- فسر ابن عباس قوله تعالى: لا يُحِبُّ اللَّهُ الْجَهْرَ بِالسُّوءِ مِنَ الْقَوْلِ إِلَّا مَنْ ظُلِمَ. فقال: لا يحب الله أن يدعو أحد على أحد، إلا أن يكون مظلوما، فإنه قد أرخص له أن يدعو على من ظلمه وذلك قوله إِلَّا مَنْ ظُلِمَ وإن صبر فهو خير له.
وقال الحسن البصري: قد أرخص له أن يدعو على من ظلمه من غير أن يعتدي عليه.
«وقال عبد الكريم بن مالك الجزري في هذه الآية: هو الرجل يشتمك فتشتمه، ولكن إن افترى عليك فلا تفتر عليه». وقال عليه الصلاة والسلام:«المستبان ما قالا فعلى البادئ منهما ما لم يعتد المظلوم» وقال مجاهد في الآية: «هو الرجل ينزل بالرجل، فلا يحسن ضيافته فيخرج فيقول: أساء ضيافتي ولم يحسن» وروى البزار أن رجلا أتى النبي صلى الله عليه وسلم فقال: «إن لي جارا يؤذيني، فقال له: أخرج متاعك فضعه على الطريق، فأخذ الرجل متاعه، فطرحه على الطريق، فكل من مر به قال مالك؟ قال: جاري يؤذيني، فيقول: اللهم العنه، اللهم اخزه، قال: فقال الرجل: ارجع إلى منزلك والله لا أوذيك أبدا» فهذه مجموعة نقول تفسر قوله تعالى: لا يُحِبُّ اللَّهُ الْجَهْرَ بِالسُّوءِ مِنَ الْقَوْلِ إِلَّا مَنْ ظُلِمَ. وعلى كل حال فالظلم تدركه الفطرة وتحدده النصوص ومن ظلم يحل له أن يتكلم بما ظلم به.
ولقد علق صاحب الظلال على هذه الآية لا يُحِبُّ اللَّهُ الْجَهْرَ بِالسُّوءِ مِنَ الْقَوْلِ إِلَّا مَنْ ظُلِمَ بقوله: «إن المجتمع شديد الحساسية، وفي حاجة إلى آداب اجتماعية تتفق مع هذه الحساسية. ورب كلمة عابرة لا يحسب قائلها حسابا لما وراءها؛ ورب شائعة عابرة لم يرد قائلها بها إلا فردا من الناس .. ولكن هذه وتلك تترك في نفسية المجتمع وفي أخلاقه وفي تقاليده وفي جوه آثارا مدمرة؛ وتتجاوز الفرد المقصود إلى الجماعة الكبيرة.
والجهر بالسوء من القول- في أية صورة من صوره- سهل على اللسان ما لم يكن هناك تحرج في الضمير وتقوى لله. وشيوع هذا السوء كثيرا ما يترك آثارا عميقة في ضمير المجتمع .. كثيرا ما يدمر الثقة المتبادلة في هذا المجتمع، فيخيل إلى الناس أن الشر قد صار غالبا. وكثيرا ما يزين لمن في نفوسهم استعداد كامن للسوء، ولكنهم يتحرجون منه، أن يفعلوه لأن السوء قد أصبح ديدن المجتمع الشائع فيه، فلا تحرج إذن ولا تقية، وهم ليسوا بأول من يفعل! وكثيرا ما يذهب استقباح السوء بطول الألفة. فالإنسان