٣ - [اتجاهات العلماء في تفسير كلمة أَهْوَنُ في الآية (٢٧) وقول الألوسي كنموذج على ذلك]
للعلماء في أفعل التفضيل في قوله تعالى: وَهُوَ الَّذِي يَبْدَؤُا الْخَلْقَ ثُمَّ يُعِيدُهُ وَهُوَ أَهْوَنُ عَلَيْهِ أكثر من اتجاه فبعضهم يرى أنّ (أهون) هنا بمعنى (هيّن) وإذن فليست (أهون) هنا آتية للتفضيل، ومن العلماء من قال بأنّها للتفضيل، والذين ذهبوا بأنّها للتفضيل فسّروا الآية التّفسير المناسب لذلك وهذا نموذج لتفسيرهم:
قال الألوسي:
(و «أهون» للتفضيل أي والإعادة أسهل على الله تعالى من المبدأ، والأسهلية على طريقة التمثيل بالنسبة لما يفعله البشر مما يقدرون عليه، فإن إعادة شئ من مادته الأولى أهون عليهم من إيجاده ابتداء، والمراد التقريب لعقول الجهلة المنكرين للبعث وإلا فكل الممكنات بالنسبة إلى قدرته تعالى عزّ وجل سواء، فكأنه قيل: وهو أهون عليه بالإضافة إلى قدركم والقياس على أصولكم).
كلمة في السياق:[حول صلة المجموعة الثانية بالأولى وبالمحور]
وهكذا دلّلت الآيات على وجود الله من خلال عرضها آياته التي تدل عليه، وعلى كمال قدرته، ثم قررت مرة ثالثة في هذا المقطع سهولة إعادة الخلق عليه. فعرّفتنا الآيات على الله وأقامت الحجة على مجئ اليوم الآخر.
ولقد رأينا من خلال السياق أن موضوع اليوم الآخر مرتبط بموضوع معرفة الله عزّ وجل، وعلى هذا فلا يكون الخلل في التصورات عن اليوم الآخر إلا بسبب الخلل في معرفة الله عزّ وجل، وأعظم خلل في معرفة الله هو الشرك، لذلك كان هو العامل الأكبر في اختلال تصورات الإنسان عن اليوم الآخر. إنّ الملحد الذي أشرك بالله الطبيعة إذ خلع عليها صفات الله، يكفر باليوم الآخر. والمشرك الذي آمن بإله مزعوم يأخذ عن سدنته وكهنته تسري إليه بسبب ذلك المغالطات عن اليوم الآخر. ومن ثمّ تأتي الآن مجموعتان كل مجموعة تقيم الحجة على الشرك وأهله. والملاحظ أنّ في كلّ من المجموعتين إقامة حجة وأوامر، فكلّ من المجموعتين منته بأوامر منبثقة عن التوحيد ومن هنا نفهم أن طاعة الأمر في الإسلام أثر عن الإيمان، فالتوحيد يستتبع إيمانا بالله واليوم الآخر، والإيمان بالله واليوم الآخر يستتبع طاعة والتزاما، والملاحظ أنّ الأوامر في المجموعة القادمة تنصبّ على جوانب في الإيمان والصلاة. وأن الأوامر في المجموعة التالية تنصب على الإنفاق، وكل ذلك في سياق السورة التي تعمّق موضوع الإيمان باليوم الآخر، فسياق السورة يربط بين الإيمان باليوم الآخر، والصلاة والإنفاق،