يَعْمَلُونَ السَّيِّئاتِ أَنْ يَسْبِقُونا ساءَ ما يَحْكُمُونَ.
إن مقدّمة السورة عرضت علينا ظنا خاطئا يمكن أن يقع فيه بعض المؤمنين.
وعرضت علينا ظنا خاطئا يقع فيه الكافرون، وسارت السورة كما رأينا حتى وصلت إلى الآيات الثلاث، لتعرض علينا كيف أنّ الكافرين يستعجلون بالعذاب الذي وعدوا به، وكيف أنّ هذا العذاب آت لا محالة. وفي ذلك درس لأهل الإيمان أن يتحمّلوا لأداء المحنة، لأنّها مهما كانت قاسية فعذاب الله في الآخرة أشدّ، وهكذا نجد أنّ هذه الآيات تؤدّي أكثر من دور في محلّها.
وإذ وصل السياق إلى ما وصل إليه، فإن آيات تأتي الآن تخاطب المؤمنين خطابا مباشرا، فيه إشارة إلى الهجرة، ومحلّ ذلك في سياق السورة التي تتحدث عن الامتحان لا يخفى؛ فالهجرة قد تكون فرض المحنة، أو أثرا عنها، وهي في نفسها نوع امتحان، إذا اضطر إليها المؤمنون. فلنر الآيات:
يا عِبادِيَ الَّذِينَ آمَنُوا إِنَّ أَرْضِي واسِعَةٌ فَإِيَّايَ فَاعْبُدُونِ. قال ابن كثير:
(هذا أمر من الله تعالى لعباده المؤمنين بالهجرة من البلد الذي لا يقدرون فيه على إقامة الدين، إلى أرض الله الواسعة، حيث يمكن إقامة الدين، بأن يوحّدوا الله، ويعبدوه كما أمرهم). وقال النسفي:(يعني أن المؤمن إذا لم يتسهّل له العبادة في بلد هو فيه، ولم يتمشّ له أمر دينه، فليهاجر عنه إلى بلد يقدّر أنّه فيه أسلم قلبا، وأصحّ دينا، وأكثر عبادة ... ) فالمعنى: إنّ أرضي واسعة فإن لم تخلصوا العبادة لي في أرض، فأخلصوها في غيرها. وإن لم تستطيعوا العبادة في أرض، فهاجروا إلى أخرى
كُلُّ نَفْسٍ ذائِقَةُ الْمَوْتِ أي واجدة مرارته وكربه كما يجد الذائق طعم المذوق، وهذا تشجيع للنفس على الهجرة، لأنّ النّفس إذا تيقنت بالموت سهل عليها مفارقة وطنها ثُمَّ إِلَيْنا تُرْجَعُونَ بعد الموت للثواب والعقاب. قال ابن كثير في الآية: (أي أينما كنتم يدرككم الموت؛ فكونوا في طاعة الله، وحيث أمركم الله، فهو خير لكم، فإنّ الموت لا بدّ منه، ولا محيد عنه،
ثمّ إلى الله المرجع والمآب، فمن كان مطيعا له جازاه أفضل الجزاء، ووافاه أتمّ الثواب، ولهذا قال تعالى: وَالَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحاتِ لَنُبَوِّئَنَّهُمْ أي لننزلنهم مِنَ الْجَنَّةِ غُرَفاً أي منازل عالية في الجنة تَجْرِي مِنْ تَحْتِهَا الْأَنْهارُ على اختلاف أصنافها من ماء وخمر وعسل ولبن، يصرّفونها ويجرونها حيث شاءوا، كما قال ابن كثير خالِدِينَ فِيها أي ماكثين فيها