في النص السابق على هذه الآية رأينا أمرا بالذكر بعد قضاء مناسك يوم النحر، وبعد يوم النحر تأتي أيام التشريق الثلاثة، والنسك الذي يتم بها هو رمي الجمار الثلاثة يوميا فيها، ورمي الجمار نفسه ذكر. لأنه طاعة لله. ويرافقه ذكر ودعاء. والدعاء ذكر.
جاء في الحديث الذي رواه أبو داود وغيره:«إنما جعل الطواف بالبيت، والسعي بين الصفا والمروة، ورمي الجمار، لإقامة ذكر الله عزّ وجل».
فإذا اتضح هذا عرفنا أن المراد بالأمر بالذكر في الأيام المعدودات- والله أعلم- إقامة نسك هذه الأيام، وهو رمي الجمار وما يرافقه، بدليل قوله تعالى بعد الأمر
بالذكر: فَمَنْ تَعَجَّلَ فِي يَوْمَيْنِ مما يشير إلى أن الأمر له علاقة بالمبيت بمنى، وما يرافق ذلك.
[المعنى الحرفي]
وَاذْكُرُوا اللَّهَ فِي أَيَّامٍ مَعْدُوداتٍ: قال ابن عباس: (الأيام المعدودات: أيام التشريق). وأيام التشريق هي الأيام الثلاثة بعد يوم النحر. بدليل الحديث الذي رواه الإمام أحمد عن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال:«يوم عرفة، ويوم النحر، وأيام التشريق عيدنا أهل الإسلام. وهي أيام أكل وشرب». فدل أن أيام التشريق بعد يوم النحر. وذكر التعجل في يومين دليل على أنها ثلاثة. وذكر الله فيها رمي الجمار، والذكر أثناء الرمي.
والدعاء بعده فَمَنْ تَعَجَّلَ فِي يَوْمَيْنِ: من هذه الأيام الثلاثة، فلم يمكث حتى يرمي في اليوم الثالث فيذكر الله بالرمي فيه واكتفى برمي الجمار في يومين من هذه الأيام الثلاثة فَلا إِثْمَ عَلَيْهِ أي: فلا يأثم بهذا التعجل. وَمَنْ تَأَخَّرَ حتى رمى في اليوم الثالث. فَلا إِثْمَ عَلَيْهِ لِمَنِ اتَّقى أي: لا يأثم بهذا التأخير. فالمؤمن مخير في التعجل والتأخر. وإن كان التأخر أفضل، فقد يقع التخيير بين الفاضل والأفضل كما خير المسافر بين الصوم والإفطار، وإن كان الصوم أفضل. ثم ختم الله عزّ وجل آيات المناسك بأمرين: التقوى، والعلم بالحشر فقال: وَاتَّقُوا اللَّهَ في جميع الأمور والأحوال، خاصة وأنتم قد أديتم حجكم الذي به ترجعون كيوم ولدتكم أمهاتكم.