للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

وطرح سؤالا. وذلك أن موسى أعلمه أنه رسول رب العالمين، وهو يدعي الربوبية، ففي دعوة موسى إبطال لدعواه. ومن ثم أخذ الحوار طابعا عقديا، ونلاحظ أن موسى في هذا الحوار يقابل الحجة بالحجة، والكلمة بالكلمة، لأن الصمت في مقام التبليغ إخلال بالتبليغ، وذلك درس لكل من يتصدى للدعوة إلى الله أو إلى شرعه

قالَ فِرْعَوْنُ وَما رَبُّ الْعالَمِينَ قال النسفي: أي إنك تدعي أنك رسول رب العالمين فما صفته. وقال ابن كثير: قال هذا له فرعون من الذي تزعم أنه رب العالمين غيري، هكذا فسره علماء السلف وأئمة الخلف ..... ومن زعم من أهل المنطق وغيرهم أن هنا سؤالا عن الماهية فقد غلط فإنه لم يكن مقرا بالصانع حتى يسأل عن الماهية، بل كان جاحدا له بالكلية فيما يظهر، وإن كانت الحجج والبراهين قد قامت عليه،

فعند ذلك قال موسى لما سأله عن رب العالمين قالَ رَبُّ السَّماواتِ وَالْأَرْضِ وَما بَيْنَهُمَا إِنْ كُنْتُمْ مُوقِنِينَ أي إن كنتم تعرفون الأشياء بالدليل، فالإيقان هو العلم الذي يستفاد بالاستدلال، ولذا لا يقال الله موقن. والمعنى: إن كنتم تعرفون الأشياء بالدليل فكفى خلق هذه الأشياء دليلا، أو إن كان يرجى منكم الإيقان الذي يؤدي إليه النظر الصحيح نفعكم هذا الجواب وإلا لم ينفع فالله عزّ وجل خالق السموات والأرض وما بينهما، ومالك جميع ذلك، والجميع عبيد له خاضعون، ومن كانت لهم قلوب موفقة، وأبصار نافذة عرفوا ذلك

فعند ذلك التفت فرعون إلى من حوله من ملئه ورؤساء دولته قائلا لهم على سبيل التهكم والاستهزاء والتكذيب لموسى كما قال الله تعالى: قالَ لِمَنْ حَوْلَهُ أَلا تَسْتَمِعُونَ أي ألا تعجبون من هذا في زعمه أن لكم إلها غيري؟

قالَ لهم موسى رَبُّكُمْ وَرَبُّ آبائِكُمُ الْأَوَّلِينَ أي خالقكم وخالق آبائكم الأولين الذين كانوا قبل فرعون وزمانه، أي إن لم تستدلوا بغيركم فبأنفسكم، ولعله ذكر آباءهم لأن فرعون كان يدعي الربوبية على أهل عصره دون من تقدمهم

قالَ أي فرعون إِنَّ رَسُولَكُمُ الَّذِي أُرْسِلَ إِلَيْكُمْ لَمَجْنُونٌ أي ليس له عقل في دعواه أن ثم ربا غيري

قالَ موسى رَبُّ الْمَشْرِقِ وَالْمَغْرِبِ وَما بَيْنَهُما إِنْ كُنْتُمْ تَعْقِلُونَ فتستدلون بما أقول فتعرفون ربكم، قال النسفي. وهذا غاية الإرشاد، حيث عمم أولا بخلق السموات والأرض وما بينهما، ثم خصص ... أنفسهم وآباءهم لأن أقرب المنظور فيه من العاقل نفسه، ومن ولد منه، وما شاهد من أحواله من وقت ميلاده إلى وقت وفاته، ثم خصص المشرق والمغرب لأن طلوع الشمس من أحد الخافقين وغروبها في الآخر (كما يراه الناظر) على تقدير مستقيم في فصول السنة وحساب مستو من أظهر ما استدل به، ولظهوره انتقل إلى الاحتجاج به خليل الرحمن من الاحتجاج بالإحياء والإماتة على نمرود بن

<<  <  ج: ص:  >  >>